كومس، ومهما يكن من إغراء الشهوات وتحايلها فإن الغلبة للفضيلة؛ ولن تعدم الفضيلة عوناً من الله، ويتجلى هذا العون في الروح الحارس الذي دل الأخوين على طريق الخلاص.
ولملتن نظرة في الطبيعة وصلة النفس بها، فهو لا يحرم طيباتها وزينتها، ولكنه كذلك لا يذهب في الاستمتاع بها مذهب كومس، فيجعل الأمر فيها أمر لذة وفجور واغتنام ونهب في غير مبالاة كما تفعل البهيمة. وعنده أن تأخذ النفس من طيبات الحياة كما تقضي الحكمة، ومقومات الحكمة عنده الاعتدال والقناعة والعفة، وعلاقة المرء بالحياة والطبيعة على هذه الصورة طريق من طرق السمو الروحي بالنفس الإنسانية إلى معارج الكمال ومسالك الهداية
وينم كلام كومس في امتداح الطبيعة عن نزوع نفس ملتن إلى الطبيعة وجمالها وقوة إحساسه بمباهجها وزينتها؛ ويتضح هذا الميل القوي في ذلك المعنى البديع الذي نطق به كومس، ألا وهو قوله: إن الإنسان بزهده في جمال الحياة ومتعها لا يؤدي حق الشكر للمنعم ولا حق الثناء عليه. وما يخاف ملتن إلا شيئاً واحداً هو الفتنة، ولكن إذا اعتصمت النفس بالفضيلة تمتعت بأنعم الله ونجت من الزلل، فالطبيعة مما أنعم الله به علينا، وأنعم الله خير كلها، والغرائز والميول الطبيعة كذلك خير واتباعها تنفيذ لمشيئة الخالق، وهو لذلك يحب الطبيعة من ناحيتين: أولاهما: ما تظهره من جمالها الذي يبهج النفوس؛ وثانيهما: ما تخرجه من كنوز خيراتها وما تبثه في الكون من نماء وتجديد واتساع وكل أولئك من مقومات الحياة
وكذلك ينم كلام أكبر الأخوين عن الفضيلة كما ينم كلام العذراء عن العفة والعذرية، عن ميل كان في نفس ملتن أثناء مقامة في هورتن، فقد كان يميل إلى البقاء عزباً حتى يتفرغ لرسالته، وأراد أن يستعفف حتى لا يزل، فتولدت في نفسه فكرة، وهي أن الشهوة أصل الفسوق كله والفجور والرجس؛ وعلى ذلك فلا بد من تغليب العقل على العاطفة، أو الروح على الجسد، وهذا الصراع بين العفة أو الطهر وبين الشهوة يتضمن بالضرورة قيام وساوس الشهوة في نفسه، شأنه في ذلك شأن كل فتى مثله، ومرد الشهوة إلى العاطفة، ومرد الرغبة في قهرها إلى الحكمة، وما دام أنه يحس العاطفة في نفسه إحساساً قوياً، وأنها