زهرها من كل لون وفي مآقيه دموع الندى ليوضع هذا الزهر حيث يوسد ليسيداس.
ويدعو الشاعر الرعاة أن يمسكوا عن البكاء فما مات ليسيداس وإن طواه اليم، فهو كالشمس كوكب النهار، تغرق في ماء المحيط، ثم ما هي إلا ساعات وترفع جبهتها الوضاءة من اليم فيكون ألا صباح، وسيرفع ليسيداس جبهته في عالم النعيم الدائم؛ حيث يتلقه القديسون والصالحون، وهو منذ اليوم جني الماء يتلمس الخير عنده كل من يرد الشط.
وتعد هذه المرثية من أجمل المراثي في اللغة الإنجليزية إن لم تكن أجملها وأعظمها جميعاً. وهي في غير تحفظ أجمل مرثية في صديق في تاريخ تلك اللغة. أما من حيث قوة الشعر فيها فقد بلغ ملتن هنا ما لم يبلغه في غيرها من السمو والقوة، حتى لتعد نموذجاً لشعره إذ يكتمل، وللشعر الإنجليزي في أرفع درجاته، ولروح الشعر على الإطلاق في أي لغة وفي أي مناسبة، إذ يكون له من السحر والروعة ما يكون للأثر الفني الخالد المعجز.
هذه القصائد الخمس هي كل ما نظم ملتن أثناء مقامه في هورتون، وهي كما أسلفنا القول كفيلة أن تحل ملتن بين الصفوة من شعراء الغناء، كما أنها كيله وحدها لو لم يكن له غيرها أن تجعل منه شاعراً فذاً مرموق المكانة، بيد أنها على الرغم من ذلك لم تخل كما قلنا من هفوات.
تزدحم قصيدتاه الأليجر والبنسروزو بتلميحاته الميثولوجية ازدحاماً يكاد يحس معه المرء أن شعر ملتن هنا غلبت فيه الصنعة على الفن، وأنه يميل إلى إظهار معرفته بالإغريقية واللاتينية أكثر مما يعنى بفنه. وكذلك تعد عليه في هاتين القصيدتين هفوات عند وصفه الطبيعة تدل على أنه أحياناً ينقل عما يقرأ أكثر مما ينقل عما يرى، فهو يشير مثلاً إلى زهرات في زمان غير زمانها يجعل لها لوناً غير لونها، كما أنه يصف أوراق شجرة من الأشجار بما هو بعيد عن طبيعتها. ويؤخذ عليه في قصيدة الأليجرو وأنه أغفل أمر الحب كصورة من صور المرح، وإغفال صورة كهذه تعد من أقوى صوره أمر معيب وبخاصة إذا كان مرده إلى مبالغة ملتن في الحرص على العفة، فلا يصح أن يتعمد شاعر إهمال هذه الناحية الإنسانية القوية تشيعاً منه لنزعة من نزعات الفكر، فإن ذلك لا يتفق مع صدق الفن وصراحته.
أما مسرحيته الغنائية كومس فإننا وإن صرفنا النظر عن ضعف بنائها كمسرحية غنائية