نجدها لا تخلو من مآخذ، وأهمها هذه الطريقة الوعظية التي لجأ إليها ملتن، أو هذه النزعة التعليمية التي جعلته يطنب في إرسال آرائه على ألسنة المتحدثين في المسرحية بصورة كادت تبعث على الملل في كثير من المواقف. وحسبك أن يتناقش الإخوان في مائة وستين سطراً فيما إذا كانت الفضيلة تعصم أختهما من الخطر، وأن يطيل الروح الحارس حبل الكلام فيستنفد وحده مائة وسبعين سطراً قبل أن تتخذ أية خطوة لإنقاذها، مما يبعد المسرحة عن روح المسرح وما تتطلبه من حركة وفعل، ومما يجعل المرء يحس أن مواقفها متكلفة لمجرد التعبير عن أفكار الشاعر. ويأتي بعد ذلك عيب آخر وهو مبالغة أكبر الأخوين في ثقته بالفضيلة، الأمر الذي يضعف في النفس اللهفة على الفتاة وقد تاهت في ظلمات الغابة. ومثل ذلك العيب إغراء كومس الفتاة، فإن إغراءه لم يزد على كونه بعض الآراء الفلسفية الجامدة مع إشارة إلى سحر ذلك الشراب، ولو أنه كان حواراً قصيراً تعرض فيه جوانب الرأي لكان أوقع في النفس وأدنى إلى روح الدراما، وأبلغ في الإغراء وفي امتحان عفتها من ذلك الكلام الشبيه بلغة المدارس أو أسلوب المقالات. والحق أن الغنائية كلها مواقف وأشخاصاً إن هي إلا وسيلة أراد بها ملتن أن يعبر عن أفكاره، فلو أننا قارنا بينها وبين الدراما المسرحية لرأينا كأنما ظهر الملقن على المسرح في هذه الغنائية، وأخذ يلقن كل شخصية ما تقول. . .
أما من حيث فلسفته الغنائية، فقد خلط ملتن بين العفة وبين العذرة، والعفة إذا انتهت إلى الزواج أمكن الجمع بين مباهج الحياة وجمال الطبيعة والحكمة المطلوبة، ولكن أن تظل الفتاة عذراء أبداً أو يظل الفتى عزباً أبداً دون أن يقرب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ثم يحاول مع هذا الزهد الصارم أو هذا الحرمان أن يأخذ بقسط من جمال الحياة وثمرات الطبيعة فهذا ما يصعب تصوره. ومرد هذا الاضطراب إلى تذبذب الشاعر بين الطبيعة وفرط حبه إياها حباً تجلى فيما قاله على لسان كومس وبين حرصه على قواعد الخلق التي ألتزمها منذ صغره، والتي هي أقرب الأشياء إلى طبيعة البيوريتانية التي كان يميل إليها. ولعل تمسكه يومئذ بأن يظل عزباً ليتفرغ لرسالته مع شغف نفسه بالجمال وإحساسه بالحياة كان له أثره في هذا التناقض الذي أضعف فلسفته.
وكذلك يؤخذ على ملتن أنه لم يرنا كيف تكون العفة سبيلاً إلى قوة خفية سماوية، فهذه