للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يلتحق الثاني بين الثامنة والعاشرة، فهذا الفرق في السن يجعل الطالب ناضجا قادراً على تحصيل ما يكلف تحصيله من هذه العلوم في سهولة ويسر، ولذلك مزية أخرى هي أن طالب الأزهر يستطيع في الفترة الأولى من حياته وقبل انتسابه إلى معهده أن يتفرغ لحفظ القرآن الكريم الذي هو شرط أساسي لقبوله، والذي هو أمر ضروري لطالب الدين والشريعة واللغة: يقوم لسانه، ويصحح لهجته؛ ويضبط لغته، ويكون مرجعه الملازم له في العقائد والآداب والأحكام، بل يكون له طول حياته كنزاً ل ايفنى، ومعيناً لا ينضب.

وقد دلت التجارب على أن من لم يحفظ القرآن الكريم في أول حياته وعهد صباه المبكر، فلن يستطيع حفظه بعد ذلك. وليس من الممكن أن يستكمل التلميذ في المدرسة الابتدائية علومه ولغته الأجنبية ثم يكلف في أثناء دراسته الثانوية أن يحفظ القرآن.

هذا، وفي المعاهد الدينية بعد ذلك معنى لا ينبغي أن ننساه: ذلك هو تربية الطالب تربية دينية يستمدها من هذه المصادر التي يعتمد عليها في دراسته من كتاب وسنة وعقائد وأخلاق وأحكام تشريعية وكتب تغلب عليها الروح الإسلامية، وتغرس في نفسه حب الدين واحترام الشريعة وتقديسها، فيشب على ذلك ويشيب عليه، وبذلك نكون قد أوجدنا طائفة من مثقفينا تتحمس للدين والخلق الإسلامي الكريم، وتغار على علومنا وآدابنا القومية في وسط هذه التيارات المضطربة الجامحة التي تهدد كياننا، وتكاد تقطع الصلة بيننا وبين ماضينا المجيد. وقد أدرك هذا المعنى غيرنا من رجال الأديان الأخرى، فهم يبكرون بإعداد رجل الدين منذ نعومة أظفاره ليضمنوا له التحمس الديني والانفعال الروحي على صورة تصاحبه طول حياته، لأنها تكون قد ارتسمت في نفسه، وصادفت منه قلبا خاليا فتمكنت كما يقولون. فأين لنا مثل ذلك إذا اعتمدنا على تلميذ المدرسة الابتدائية، وهو لا يعرف من دينه إلا معارف سطحية لا تسمن ولا تغني من جوع؟

٤ - أما الدراسة الثانوية في الأزهر، فقد كانت عدلت مناهجها يوماً ما لتكون مشابهة تمام المشابهة لمناهج المدارس الثانوية بزيادة العلوم الدينية واللغوية والعقلية؛ فلما طبق هذا النظام بدأ وجه الخطأ فيه سافراً، فقد طغت علوم المدارس على العلوم الأزهرية، وعلى روح التفكير والاستقلال في البحث المقصود بثها في نفوس الطلاب، وحينئذ لم يجد الأزهر بداً من إلغاء ذلك النظام وإحلال النظام الحالي مكانه، وهو نظام لم يقطع الصلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>