وبلغ من فرط سروره بهذه المدائح أنه اعتزم أن تكون معظم أشعاره في المستقبل باللاتينية ليذيع صيته في القارة، ولكنه ما لبث أن ترك هذه الفكرة بعد أن عاد إلى وطنه؛ على أنه لم ينس تلك المدائح التي اختصه بها أهل فلورنسة فنشرها في مقدمة ما نشر من أشعاره اللاتينية سنة ١٦٤٥، ولعله أراد بنشرها أن يطلع الحاقدين عليها من بني وطنه على ما لقيه من ثناء وحفاوة بين الإيطاليين، فقد أثنى الإيطاليون فيها على ذكائه وعلمه وحذقه اللغات، وجماله وفصاحته وما يتصف به من فضائل، وطول باعه في الفلك والفلسفة والتاريخ وبالغ أحدهم وهو السنيور فرانسيني فراح يؤكد لملتن في قصيدته أنه ما من سر مهما بلغ من عمقه تخبئه الطبيعة في السماء أو في الأرض إلا وهو على علم وثيق به، وأنه قد بلغ حد اكتمال الفضيلة وأن ألحانه الحلوة ترفعه إلى السماء.
واتخذ ملتن طريقه إلى روما فقضى فيها شهرين؛ وهناك طاف بأبنيتها وآثارها القديمة وتعرف إلى كثير من ذوي النباهة والمكانة، وقوبل بالحفاوة فيها كما قوبل في فلورنسة، وإن كانت حماسة أهل روما لم تصل إلى حماسة أهل فلورنسة، ولم يتبع ملتن في روما ما نصح له به سير هنري، فأخذ يتكلم في حماسة وصراحة عن مذهبه البروتستنتي ورأيه في الإصلاح الديني، ولعل ذلك هو السبب في فتور حماسة أهل روما نحوه، بل إن بعضهم انصرف عن الحفاوة به حينما نما إليهم ما يقول في الدين، وما كان ملتن بالرجل الذي يستطيع أن يخفي في نفسه رأيا يؤمن بصوابه، وما كان ليخاف عنتاً أو أذى في سبيل عقيدته، ومن أبرز خلاله منذ صغره الجهر بما يعتقد لأنه يرى أن الكتمان نوع من المذلة إذا كان الباعث عليه الخوف. وهكذا أخذ في المدينة البابا نفسه يتكلم في طلاقة وجرأة لا يهمه كيف يقع كلامه في نفوس سامعيه، ولا يخيفه أقل خوف ما عسى أن يكون من موقف السلطات حياله؛ أشار إلى ذلك فيما كتب فقال (لم يكن من دأبي أن أثير المناقشات الدينية فيما أغشاه من الجماعات، ولكني كنت إذا سئلت عن عقيدتي لا أخفي شيئاً مهما يكن ما أتعرض له من ألم. . . لم أخف عن أي سائل يسألني أي مذهب أعتنق مهما كان هذا السائل؛ وكنت إذا هاجم أي شخص في المدينة البابا العقيدة الأصلية لا أتردد في الدفاع عنها بكل طلاقة)
وتعرف ملتن إلى رجل ألماني الجنس هو لشتنيس، وكان يقوم على شؤون مكتبة الفاتيكان،