للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكانت له مكانة عظيمة في نفوس الكثيرين من عظماء القساوسة، وقد أراد أن يظهر للشاعر الإنجليزي عرفانه لجميل أهل إنجلترا معه حين كان يطلب العلم في اكسفورد وقد قدمه هذا الألماني إلى الكاردينال العظيم فرنسسكو باربريني، وكان الكاردينال يومئذ هو كل شيء في روما، وأقيم للشاعر حفل موسيقي في قصر باربريني وهناك استمع ملتن إلى المغنية الشهيرة ليونارة باروني فأعجب بها إعجاباً شديداً عبر عنه في قصائد ثلاثة لاتينية قصيرة أهداها إلى المغنية العظيمة.

ولو كان رجل آخر مكان ملتن لأثرت فيه أمثال هذه الحفاوات وبخاصة ما جاء منها من قبل رجال الدين، ولتخفف من صراحته وحدته في الكلام عن عقيدته الدينية وركن إليهم شيئا قليلاً، ولكنه لم يدع لمثل هذه الأمور سبيلا إلى التأثير في رأيه فلم يتحول عنه قيد شعرة الأمر الذي جعل البعض يصدون عنه بعد إقبال، وجعل الجزويت ينكرون أقواله ومسلكه إنكاراً شديداً.

ولم تك تلك القصائد الثلاث كل ما أوحته إيطاليا إلى ملتن، فبين قصائده اللاتينية خمس غيرها وجهها الشاعر إلى سيدة إيطالية لم يذكر اسمها سحرته (بسمو حركتها وبحاجبها الأسود الذي يلقي في النفوس الحب).

وتوجه ملتن بعد ذلك إلى نابلي، وهناك زار رجلا كان لزيارته إياه أجمل وقع في نفسه وذلك هو مانسو العظيم ماركيز فيلا، وكان مانسو في الثامنة والسبعين من عمره، ومرد عظمته إلى أنه كان راعي الأدب والفن مدة جيلين، آوى في أولهما الشاعر تاسو وفي ثانيهما ماريني؟ وهاهو ذا يلقى شاعراً ثالثاً سوف يكون أعظم خطراً في تاريخ الأدب العالمي من ذينك الشاعرين، وقد رحب به مانسو واستطاع على الرغم من شيخوخته أن يطوف به على الأماكن التي وصفها حين كتب حياة تاسو، وأحب ملتن هذا الشيخ فامتدحه بقصيدة جميلة ذكر فيها أنه يود لو كان له راع مثل مانسو راعي الشعراء؟ ليعنى بدفنه إذ يموت، ويقيم له تمثالا من المرمر يتوج الغر هامته، وقد أشار ملتن في هذه القصيدة إلى ما يعتزم في دنيا الشعر كما أثنى على موطنه إنجلترا وعلى مكانتها في الشعر والأدب؛ وأهدى إليه مانسو كأسين منقوشين وعبارة جاء فيها (لو أن دينك كان مثل عقلك وهيكلك ورشاقتك ووجهك ومزاجك ما كنت بريتانيا فقط بل كان مقامك بين الملائكة).

<<  <  ج:
ص:  >  >>