للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وعلى الأرض قناطير من الأقلام، ولكن منها ما يقول له العقل والقلب اكتب (نعم) فيكتب (لا) إن مثل هذا القلم لا يسطر، وإن سطر فحروفاً سوداء على أوراق بيضاء لا علاقة لها بين عقل الكاتب وقلبه.

(ومن نكد البشرية - وقد يكون من حسن حظها - أن أمثال ما ذكرت من العقول والقلوب والأقلام، هي القاعدة السائدة فيها، وما أختلف عنها فشذوذ، وكل شاذ نادر، لذلك ندر وجود الكتاب والشعراء وأبناء الفن.

(للناقدين ولع بتحديد مراتب الكتاب والشعراء، والمقابلة بين الواحد والآخر، وتفضيل هذا على ذاك، أو ذاك على ذلك، وقد يكون في مقابلتهم وتفاضيلهم نفع لهم ولقارئيهم، أما أنا فإن عثرت على كاتب له قلب يخبر، وعقل يفكر، وقلم يسطر، شكرت ربي ألف مرة ومرة، وتركت للقارئ المقارنة بينه وبين سواه، ومحاسبته الخطأ والصواب، والحلال والحرام، والنفع والضرر، فتقديرك الكاتب منوط بما تقرأ من نفسك وعنها، في سطوره وبين سطوره، لا بما يقرؤه سواك، فرب كتاب أطالعه فألفيه ترديد أصداء بعيدة، هي أصداء أفكار وعواطف خبرتها ونبذتها من زمان، ويطالعه سواي فيرى في كل سطر من سطوره فكراً جديداً وعاطفة جميلة والعكس بالعكس.

(لذلك لست أرى جزيل نفع في المقارنة بين الكتاب والشعراء، ومتى أنست من كاتب قلباً يحس، وفكراً يقابل ويستنتج، وقلماً يصور بإخلاص، قست إذ ذاك مقدرته الكتابية، لا بعدد ما ضمن سطوره من (الحقائق الراهنات) و (المعجزات البينات) وغريب المفردات، بل ما يثيره فيّ من العواطف والأفكار، وبما يوجه إليه بصري من ظواهر الأمور وبواطنها حتى إني لأوثر كاتباً يخالفني في كل رأي أراه، على كاتب ينطق بأفكاري وعواطفي، فقد يروقني من الثاني جلاء في الإفصاح ليس لي، وتلك منّة صغيرة، ولكن منة الأول عليّ أكبر وأوفر، لأنه يكشف لعيني عوالم كانت خفية عنها، ويفسح لفكري وعاطفتي مجالاً ما كان لهما، فيدفعني بذلك إلى تصفية حسابي مع نفسي، وإلى تقويم بضاعتي الروحية، ولولا ذاك لما عرفت أني من أبناء هذه الحياة. . .)

في الناس من يعتقد أن لا فائدة ألبته للنقد الأدبي مادامت أقيسته قائمة على الذوق الذاتي، وفيهم من يقول إن في مكنة كل كاتب التصدي للنقد، فيتجنى إذا طاب له التجني، ويتعسف

<<  <  ج:
ص:  >  >>