للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكما أن الآنسة (دي جيفيرني) توجد كسحابة في أفق حياتي كذلك تلوح من خلال هذا الأفق سحابة أخرى، وهي (مدام ديلافو) زوجة الرسام، وهي سمانة صغيرة، شقراء بيضاء مشربة بحمرة كأنها وردة. إنها لجميلة، بل تخطت حد الجمال

لماذا نستقبل في طبقتنا أشخاصاً ليسوا منا في شيء كديلافو وزوجته وأمثالهما الذين كانوا قبل أن نرفعهم إلى صفنا يتناولون طعامهم في حوانيت الجبن والزبدة، ويرقصون في المراقص العامة، ويعملون كصناع في معارض الرسامين. من أين جاء هذا الرجل بزوجته هذه؟ يخيل إلي أنه طالما اتخذها نموذجاً لصوره زمناً طويلاً قبل أن يتزوج بها، وأن حياتهما معاً سبقت عهد زواجهما بوقت غير قصير. غير أنهما قد استُقبلا في عالمنا الأرستقراطي، لأن الزوج موهوب وحاضر النكتة، وقد أصبح ثريا، ولأن زوجته جميلة إلى حد أنها تستطيع - بلمسة أو بإيماءة - أن تسحر الرجال فتحولهم إلى حيوانات. إنها أغرت زوجي وليس هذا بغريب، فكل النساء يحاولن إغراءه. أيها الإله! لقد كنت أتمنى أن يكون زوجي أقل فتنة منه الآن، ولو كان كذلك لكان حبي إياه مساوياً لحبي الحاضر، ولكانت محاولة سلبه مني أقل مما أعانيه الآن.

ظلت إذاً مادام لافو نحو خمسة عشر يوما تحاول إغراء زوجي كما تفعل معه النساء الأخريات، وقد كان (راءول) أثناء هذه الأيام يظهر عليه الافتتان والسرور، ولكنهما لم يلبثا أن غيرا خطتهما فلم يعودا يتحدثان معاً كأن القطيعة قد تمت بينهما؛ أما أنا فحين رأيت هذه القطيعة الظاهرية كنت أشبه شيء بالحيوان غباوة وبلادة، وأخذت أحس بالسرور وأقول في نفسي: أية سعادة! إنهما لم يتحابا قط، وإنني كنت مخدوعة في هذه الريبة.

غير أن والدتي التي كانت دائماً بعيدة النظر وكانت هي التي تنبئني قبل كل إنسان بما يفعل راءول معي من شر، وتفهمني متى ينبغي أن أغضب، قالت لي: احترسي، إنهما لم يعودا يتضاحكان أمام الناس كما كانا يفعلان قبل الآن، ومعنى هذا أنهما يستعيضان عن ذلك في مكان آخر فراقبي زوجك.

وعلى أثر هذه النصيحة ألقيت على والدتي هذا السؤال:

- إذا فليس هذا الإغراء متجهاً إلى الآنسة جيفيرني. . .؟

- واحترسي أيضا من جيفيرني.

<<  <  ج:
ص:  >  >>