يرى الأستاذان الجليلان أن وحدة الثقافة؛ أو وحدة الأمة بتوحيد التعليم - كما جاء في تعبيرهم تتم وتتحقق إذا درست العلوم والآداب في الأزهر على النحو الذي تدرس عليه وبالمقدار الذي تدرس به في المدارس الابتدائية والثانوية التابعة لوزارة المعارف.
فأما وحدة الثقافة فإن الأزهر منذ خمسين سنة - على عهد المغفور له الأستاذ الإمام محمد عبده - قد أفسح صدره لما يسمونه اليوم علوم الثقافة: فأدخل فيه علم الحساب والجبر ومبادئ الهندسة وعلم الجغرافيا، والتاريخ، والميقات، والهيئة؛ وعلى الرغم من أن تعلمها كان على سبيل الاختيار فإن الطلاب قد أقبلوا عليها راغبين حتى كادت تعم جميع الطلبة، ولعل الأستاذ الزيات كان ممن استوفوا حظهم منها، ثم أنشأ المغفور له الخديو عباس الثاني معهد الإسكندرية، واختار شيخا له القاضي العادل والمربي الكبير المغفور له الشيخ محمد شاكر فنهض بالمعهد نهوضا فائقا، وجعل تعلم هذه العلوم إجباريا؛ فازدهر معهد الإسكندرية بهذه العلوم إلى جانب علوم الدين واللغة أيما ازدهار. وتطور نظام التعليم في الأزهر: فمنذ سنة ١٩١١ صار تعلم هذه العلوم واجباً على جميع الطلاب. ثم توجهت عناية الملك العظيم المغفور له الملك فؤاد طيب الله ثراه، حيث وجه عنايته - أغدق الله عليه سحائب رحمته - إلى تنظيم الأزهر وإصلاحه إصلاحا شاملاً يعم ناحيتيه العلمية والمادية: فبسط يده بالعطاء الجزل، وزيد في ميزانية الأزهر زيادة عظيمة، وأنشأ نظام الكليات وأقسام التخصص، وعدلت مناهج التعليم تعديلا يلائم الوضع الجديد، وزيد فيها دراسة علوم الطبيعة والكيمياء وعلم الحياة وتوسع في مقرر الهندسة، وزيد في مناهج الكليات وأقسام التخصص ما يناسب كلا منها من علوم التربية والفلسفة والتاريخ والاجتماع وأصول القوانين حتى اللغات الأجنبية. وقد كان هذا النظام كفيلا بأن يرقى بالأزهر ويوجد منه علماء أخصائيين لو أنه وجد من يرعاه وينفذه.
ولقد اضطر الأزهر أن يقبل طائعا أو كارها أن يعدل النظام الأساسي للتعليم فيه تعديلا هد من قوته وأوهن من علمه وأضعف من قوة الطالب الأزهري في العلوم الدينية ونقص في حظه منها. فقد كان الطالب الأزهري لا يستحق أن يمنح شهادة العالمية حتى يؤدي امتحانا