في علوم الأصول والفقه والبلاغة والتفسير والحديث والتوحيد والمنطق. . .؛ وحتى يجوز هذا الامتحان مجليا! واليوم تدرس هذه العلوم موزعة مجاميع في شعب ثلاث! قبل الأزهر أن تشعب رأسه إلى ثلاث شعب حرصا على تثقيف طلابه ليظل باب الأمل في الحياة العملية مفتوحا أمامهم - ثم يدهشك أن تسمع ذلك الصوت البغيض ينبعث من أبواق السوء في وزارة المعارف يصك سمع الزمان بكلمة (توحيد تخريج المعلم)(وحدة الثقافة)(الطالب الأزهري تنقصه الثقافة)(الأزهر في حاجة إلى الإصلاح) فماذا يبغون من تلك الصيحة؟ وماذا يخفون في هذا النعير؟
إن كانوا يزعمون أن الغرض هو توحيد الثقافة وصولا إلى وحدة الأمة، فالأمر مشكل. فإنا نجد الوزارة ترعى عدة مدارس في ظلال نظم متعددة، وتدير عدة مجاميع من المدارس مختلفة الغاية منوعة الأساليب، متفاوتة الرتب والإعداد؛ فهناك التعليم الأولي، والألزامي، والتعليم الابتدائي والثانوي والعالي؛ والتعليم الصناعي، والتعليم الزراعي، ومنه التعليم المتوسط والتعليم العالي، والتعليم العالي أنواع كثيرة في كليات الآداب، والحقوق، والطب والهندسة، والزراعة، ومعهد التربية وكلية العلوم.
وإعداد الطالب لنوع من هذه غير إعداده لغيره من سائر الأنواع: فإعداد الطالب في التعليم الأولي والإلزامي غير إعداده في التعليم الابتدائي والثانوي. وثقافة هذا غير ثقافة ذاك؛ وثقافة طلاب المدارس الصناعية والزراعية المتوسطة ليست كثقافة طلاب المدارس العالية ولا هي كثقافة طلاب المدارس الثانوية، ومناهج التعليم في كل من هذه الأصناف والأنواع غير مناهج الصنف الآخر منها ضرورة السير بالطالب منذ الخطوة الأولى من عمره التعليمي في الطريق الذي هو مستعد لسلوكه في الحياة وإعداده لما هو مستعد له. وهؤلاء الجماهير من الطلاب الذين هم عناصر الحياة في جسم الأمة هم جمهرة الأمة وأعضاؤها العاملون.
فإذا كانت وحدة الأمة متوقفة على وحدة الثقافة؛ وكانت وحدة الثقافة مستحيلة الوجود مع تعدد هذه النظم وتنوع طريقة الإعداد وتفاوت مراتب الثقافة في هذه المدارس التي تعلم أبناء الأمة وتعدهم للحياة - فمتى وكيف تتحقق وحدة الأمة؟ ولماذا لا يكون اختلاف هذه الجماهير في التنشئة والتثقيف، والتكوين الصناعي، والإعداد للحياة الاجتماعية - مؤثراً