ولكنني نسيت أي الطائفتين هي التي أتبعها. . . طائفة (أمي) أو طائفة الباء!
وما رواه لويد جورج من باب الفكاهة هو الحاصل جداً وفعلاً في جميع الديانات الكبرى. فإن الشيع التي تتفرق فيها إنما تختلف أحياناً على شيء أيسر من الاختلاف بين حرفي الجر الصغيرين، ولكنه اختلاف يكفي كل طائفة من طوائفها لتكفير الطائفة الأخرى وإرسالها مع اللعنة إلى قرارة الجحيم!
وإذا جاز هذا في عصر الجدل فإنه لغريب جد الغرابة في عصر المشاهدات والأعمال. فقد كان (البرهان الجدلي) أساس المعرفة كلها سواء في العلوم أو في العقائد والأخلاق. فأما وقد أصبح لهذا (البرهان الجدلي) شركاء لا يقبلون منه استبداده المطلق فقد آن لحروف الجر وما شابه حروف الجر أن تقنع بمكانها في الأجرومية، أو أن تستغني بما يسفك حولها من المداد عما كان يسفك حولها من الأرواح.
وقد أشار الخطيب الأمريكي بحل لهذه المعضلة لا يبشر بالخير الكثير، لأنه يرجع بالخلافات التي من هذا القبيل إلى إباحة التفسير الديني لمن يشاء من قراء الكتب المقدسة، فكلما أتفق خمسة أو ستة على تفسير جديد لكلمة من كلمات الإنجيل خرجوا من كنيستهم وأنشئوا لهم كنيسة جديدة تنتمي إلى رئيس جديد، حتى عدت هذه الكنائس المتشعبة بالعشرات وصح فيها قول لويد جورج إنهم يختلفون ثم ينسون سبب الخلاف.
وإذ كان هذا هو الداء فالعلاج الذي يومئ إليه الخطيب أن يناط التفسير بالقادرين عليه ولا يستباح لكل مستبيح من العامة وأشباه العامة، فينحصر الخلاف إذن في أضيق الحدود. ولكنه علاج غير جديد في الديانات، فقد كان (حق التفسير المحصول) علة الانشقاق ومبعث الهجوم على حرية التفسير.
وإنما العلاج الجديد الذي يرجى أن يفيد فيما نعتقد هو توسيع حق التفسير حتى لا يكون فيه حرج على أحد ولا يوجب من فريق أن يعادي الفريق الآخر كلما عارضه في تفسيره. فتوسيع الأفق هو خير علاج لضيق الحظيرة، وقلة الصبر على فوارق الكلمات والحروف، وإقامة الدين على الأسس العامة هو العاصم للدين من تفتيت العقائد في الزوايا والسراديب. فليشمل الدين جميع المختلفين إذن ماداموا متفقين على الإيمان بقواعد الحق والخير والصلاح، وليذهب عصر الجدل الكلامي ليخلفه عصر الوحدة الواقعية التي تقوم على