والآن إذا أردنا أن نحصي الدوافع في الإنسان بسائر أنواعها فإننا سنجدها من الكثرة بحيث يصعب معها العد والحد؛ فإن دافعاً كدافع الجوع العضوي قد يبدو بسيطاً مع أنه مركب من عدة دوافع: فالحاجة إلى الأكل، تتضمن الحاجة إلى موالح ونشويات ودهنيات الخ. ودافع العطش ليس هو الحاجة إلى الماء فحسب؛ لأننا إذا أعطينا عاملاً مجهداً في يوم قائظ ماء ساخناً ليرتوي، فإنه بذلك لن يرضي دافع العطش، لأن الحاجة هنا تتضمن غير الماء، درجة خاصة من الحرارة وغيرها. ومن هذا يبدو أن دافعاً واحداً كدافع الجوع أو العطش يتضمن في ذاته عدة دوافع. من أجل ذلك فإن إحصاء عاماً للدوافع كما أراده ديكارت وهويز يعد ضرباً من المستحيل، إذ ان الحاجات تتعدد، وبالتالي تتعدد الدوافع المولدة لهذه الحاجات. وعمل الدوافع في الإنسان يقترن بتغيرات كيميائية وعضوية في جميع أنحاء الجسم حتى في البشرة. ويظهر ذلك بوضوح في حالة الحب مثلاً الذي هو إرضاء للدافع الجنسي. وتعمل الدوافع على أن تلائم بين الإنسان والطبيعة، فقد يبدو أن لون البشرة السوداء عند زنوج المناطق الاستوائية ناتج في الأصل عن تأثير حرارة الشمس المحرقة، مع أنها نتيجة لأفعال منعكسة قامت بها خلايا البشرة لإرضاء دافع الحاجة إلى درجة حرارة مناسبة للجسم؛ فليست الحرارة هي التي تحرق البشرة، لكونها حرارة، بل هي تقوم فقط مقام الباعث لاستجابات ناتجة عن دوافع وحاجات، أعنى في هذه الحالة أن هنالك دافعاً في الإنسان قد اقتضى تغيرات فسيولوجية حتى يتم التوافق بين الإنسان في نزوعه إلى الحياة وبين الطبيعة الخارجة عنه.
ونريد هنا أن نلفت النظر إلى أنه في كثير من الأحوال يكون المنبه الخارجي هو المحرك للدافع إذا كان في حالة كمون. فإذا كنت في وقت ما جائعاً وكان دافع الجوع في كمون لانشغالي بأفكار وخواطر، فإن الساعات تمر بدون أن يتعدى الدافع العضوي حدود الشعور؛ فإذا فرضت أن رائحة شهية لطعام قد وصلتني وشغلت شعوري برهة من الزمن، كان هذا المنبه كافياً لتحويل الحاجة إلى الطعام من حالة الكمون إلى حالة النشاط أي إلى رغبة، وكذلك الحال فيما يختص بالدوافع الأخرى.
وقد سبق أن ذكرنا أن إحصاء عاماً للدوافع ضرب من المستحيل ولكن يمكن ان نقسم الدوافع إلى أنواع أربعة: