حرب وما تزال الحرب بينه وبين أسبانيا قائمة؛ وأرسل شارل حملة بحرية لمساعدة البروتستنث الفرنسيين (الهيوجونون) في لاروشل، وكانت قيادتها لبكنجهام وباءت بالفشل، فازداد الناس سخطاً عليه وعلى الملك، وراح الملك يجمع القرض الجبري بكل ما في وسعه من عنف حتى لقد ألقى بنحو ثمانين من العلية في السجن ممن حذوا حذو همبدن، أما العامة فكان الجلد جزاء من يمتنع أو الحشد في صفوف الجيش أو في سفن الأسطول، ولم يغني عن الملك بطشه فقل المال في يديه وأيقن أن لا بد من دعوة برلمان ومهد السبيل لذلك بإطلاق من سجن، كما أنه طمع أن يكتسب بذلك مودة الشعب
واجتمع البرلمان الثالث سنة ١٦٢٨ فافترض حاجة الملك إلى عونه وعاد إلى اتهام بكنجهام، وتحرج الأمر بينه وبين الملك. ثم أعد النواب ملتمساً سموه ملتمس الحقوق، وأعلنوا استعدادهم لإجابة الملك إلى بغيته من المال إذا أجابهم إلى ذلك الملتمس، ووافق الملك فأجابوه إلى ما أراد، ونص الملتمس على أنه لا يحق للملك فرض ضريبة إلا بموافقة البرلمان، وألا يسجن أي شخص إلا وفق القانون، وألا يجعل الجند عالة على الناس، وألا يلجأ إلى الأحكام العسكرية بدل القانون العام، وهذا الملتمس مستمد في روحه من العهد الأعظم، ويعد بعده الوثيقة الثانية لحقوق الإنجليز وحرياتهم.
على أن أشد ما استاء منه الناس هو مسلك الملك يومئذ في سياسته الدينية. أظهر شارل من أول الأمر ميله إلى نظام الكنيسة الإنجليزية، ومع أنه لم يك كاثوليكياُ وفق مذهب روما فإنه كان يكره البيوريتانز كرهاً شديداً ويخاف من تزايد عددهم ويشك في دعوتهم الإصلاحية ويراها ضربا من التطرف لا مبرر له ويميل بالرجوع بالدين إلى مظهره الكاثوليكي القديم.
وحدث أثناء إجازة البرلمان أن قرب الملك إليه أحد رجال الدين وهو وليام لود ورقاه أسقفا للندن، وأخذ يعمل بما يشير عليه به، وكان لود من أشد أعداء البيوريتانز، وكان هؤلاء يمقتونه أشد المقت لتعصبه لنظام الكنيسة الإنجليزية ولميله الفطري إلى الاستبداد بالرأي والقسوة في معاملة خصومه ولضيق تفكيره وفظاظته، وغلظ قلبه، فلما قربه الملك إليه، عد البيوريتانز عمل الملك نذيراً لهم فأجمعوا أمرهم بينهم على مقاومته ومعاندة لود وممالأة البرلمان عليهما، وأصبح البيوريتانز من أكبر المتحمسين في طلب الحرية السياسية، فهي