للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجوده، إذ كنت أسير في الغرفة جيئة وذهاباً دون أن ألتفت إليه أو أحادثه، وأخيراً قال بلهجة غير طبيعية:

- (إنني سأتعشى الليلة في المنزل يا جينيفييف)

وحينما كان ينطق بهذه الكلمة كنت أقرأ في نفسه كأنما أقرأ في كتاب مفتوح أمامي هذه الأفكار الآتية: (إنه لرديء من جانبي أن أترك جينيفييف المسكينة وحدها في مثل هذا القلق فلنتوسط في الأمر، ولنمنحها مرافقتنا إياها في العشاء، تلك المرافقة التي ستجن بها سروراً، وبهذا أكون قد أديت واجبي ثم أذهب بعد ذلك إلى شارع (فيزيليه).

وفي الواقع أنه لو كان قد عرض علي هذا العرض قبل ذلك اليوم بليلة واحدة لقفزت فرحاً وطرت سروراً، ولكن اليقين الذي احتل عقلي اليوم من جهة، والقلق المضني على صحة الطفل من جهة أخرى قد غيراني تماماً فأجبته في فتور قائلة:

- تعش هنا إذا أردت يا صديقي، أما أنا فلن أنزل إلى حجرة المائدة لا سيما وأنني لا أرغب في الأكل.

وعلى أثر سماعه هذا الجواب حل اليقين من نفسه محل الشك وآمن بأني لا بد أن أكون قد عرفت شيئاً، فامتقع وجهه ورأيت في عينيه أنه يتردد في أن يعترف لي بكل شئ وأن يطلب مني الصفح والتصافي، ولكن تأثير الرغبة السيئة لم يلبث أن غلبه على أمره فاكتفى بأن يقول لي في لهجة فاترة: (حسن! اعملي ما تريدين) وقد كنت إذ ذاك منحنية على الطفل، فلم يتجرأ على الاقتراب منه، ثم تردد قليلاً، وأخيراً خرج. وعلى أثر ذلك طفقت الساعات الطويلة تسير في بطؤ، وأنا جالسة إلى جانب سرير المريض الذي يئن في نومه، وفي كل دقيقة أنحني عليه وأنظر إلى جسمه الذي أخذ يزداد حرارة وحمرة، ولكن لم يظهر على جلده شئ من الحبوب. وفجأة هدأت الحمى وأخذ المريض في التحسن واستيقظ وطلب لعبه، فأفهمته ألا يكشف ذراعيه وصدره فأذعن ونام في هدوء مطمئن، فلما رأيت ذلك سررت واستسلمت إلى النعاس، فأخذتني سنة من النوم لم تطل، إذ لم ألبث أن استيقظت على أثر حركة خفيفة أحسست بها، فلما تبينتها وجدت زوجي منحنياً على سرير الطفل يحدق إليه بعناية وكان مرتدياً ملابس الخروج، غير أنه قد ارتدى فوق هذه الملابس (جاكتة) منزلية، وكانت الساعة إذ ذاك التاسعة والثلث فقلت في نفسي: إنه سيخرج، وبعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>