المؤرخون بسردها، ثم هم يتخبطون في مجاهل الغيب إن تطاولوا إلى ما فوق ذلك بتعليل بواعثها.
ولتحديد موقف الشعراء من المؤرخين، وبيان مدى الاعتماد على الشعر كمصدر من مصادر التاريخ نورد ما ذكره الدكتور طه حسين بك في كتابه (مع المتنبي)، وهو يتحدث عن وصف الشاعر لحروب سيف الدولة، قال:(قد يقال إن المتنبي أغرق وأسرف، وعظم من أمر هذه المواقع أكثر مما ينبغي، وأضاف إليها من الخطر أكثر مما تستحق، وأعرض عن تصوير الهزيمة، ولم يعن إلا بتصوير الانتصار. ولكن يجب أن نتفق، فلم يكن المتنبي مؤرخاً ولا محققاً، وإنما كان شاعراً، وشاعراً ليس غير. أستغفر الله، بل كان شاعراً يشترك في الجهاد، يذوق لذته ويشقى بآلامه. فالذين يطالبون هذا الشاعر بالتاريخ وتصوير الحق كما وقع يسرفون عليه، ويسرفون على أنفسهم، ويسرفون على الشعر نفسه. وأين كانت تقع حرب طروادة التي وصفت الإلياذة طوراً من أطوارها من هذه الحروب التي شهدها المتنبي ووصفها تسعة أعوام كاملة. أفيعاب شعراء الإلياذة بأنهم لم يصفوا التاريخ كما كان، أم يحمد من هؤلاء الشعراء أنهم صوروا نفوس الجماعات والأفراد التي اشتركت في هذه الحرب أبدع تصوير وأروعه؟).
ثم يعتذر صاحب الكتاب مع المتنبي عن تهويل الشاعر في وصف وقائع سيف الدولة فيقول:(كلا إنه لا يتجاوز الحق، ولا يفسد التاريخ بالقياس إلى الذين لا يحسنون استنباط التاريخ من الشعر، ولا يفرقون بين مذاهب الشعراء ومذاهب المؤرخين) هـ.
وإذا كنا قد أطلنا الحديث عن الناحية التاريخية من الشعر، فحسبنا أن نجتزئ بالإشارة العابرة إلى ناحية أخرى تتعلق بعلم الجغرافيا. وخير من الإطناب في هذا المقام أن ننقل للقارئ فقرة موجزة من كتاب (امرئ القيس) للدكتور محمد صبري حيث يقول: (قد جرى امرؤ القيس في معظم قصائده، وتبعه في ذلك جميع شعراء العرب من جاهلين وإسلاميين، على سنة تحديد الأماكن وذكرها، ولا نبالغ إذا قلنا إنه لولا هذه السنة التي سنها الشاعر لضاعت نصف جغرافية بلاد العرب، إذ من المعلوم أن معجم ياقوت ومعجم البكري كان الشعر مرجعهما الأول لوصف بلدان كثيرة. على أنهما لم يستوعبا كل شيء ولا تزال العناية بدراسة شعراء كالمتنبي والبحتري وأبي تمام مثلاً من شأنها أن تساعد على تصحيح