للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- إن أمام باب المخفر شاب وقح لا يزال يلاحقني كلما مشيت في الطريق، فأرجو سؤاله عما يريده مني!

وعرفوا الذي يريده منها، وكانوا في قرارات نفوسهم يريدون مثله، وكانوا قوماً همجاً متأخرين ذوي عقول قديمة رجعية. لا يفهمون من تكشف البنات إلا (ذلك) المعنى العتيق جداً. . . لا يعلمون أن الدنيا تقدمت، وأن البنت تتكشف على الساحل للسباحة، وفي المدرسة للرياضة، وفي الطريق وفي الترام للصحة وحدها فقط. . . لا غير. . .

ولكنهم أسرعوا مع ذلك إلى الباب ليقبضوا على هذا (الوقح) الذي تطاول إلى سماء الجمال، فأراد أن يدنس الكوكب الذي تستنير به قلوبهم، ولا يجرءون على التأميل فيه والتفكير في الوصول إليه، وكل منهم يود أن يسبق إلى اتخاذ اليد عند الآنسة الفتانة المتكبرة ذات الثياب (الفظيعة)! وجاءوا به.

وكان شاباً مخنثاً خليعاً، تحس إذا نظرت إليه أن رجولته كورقة النقد المزورة لها لونها ونقشها، ولكن ليس لها قيمتها، ولا تشتري لصاحبها إلا مكاناً في السجن، كما أن رجولة هذا الشاب لا تكسبه إلا موضعاً في جهنم. . . وكان الشرطيون لأربعة يحفون به بقاماتهم المديدة، وأجسامهم التي تتفجر بالقوة، كما تحف أربعة سنانير بفأر هزيل، ينظرون إليه بازدراء احتقار، أهذا هو المخلوق الذي يطمع في هذه الآنسة ويطمح إلى أن يكون (رجلها) من دون الرجال؟!

وزجروه وأوعدوه، ولكنه لم يزدجر ولم يخف، ولبث ينظر إلى الفتاة بعيون ثعلب، ويبتسم ابتسامة قرد مهذب، فلم يكن من أحد الشرطيين إلا أن لطمه (بيد ما وقف عليها طبيب) لطمة تركت على وجهه من آثار الأصابع خطوطاً يكاد ينبثق منها الدم، وترنح ومال، ولكنه تصبر واستند على نضد، وقال لها:

- أيرضيك هذا يا آنسة؟ أتحبين أن أفضح السر؟

فانتفضت وقالت:

- أي سر أيها الكلب؟ أيها السادة: أرجوكم وضع حد لهذه المهزلة!

فكروا عليه بالضرب واستاقوه إلى (القفص)، فلما ابتعد عن الفتاة، قال لهم:

- أنا أحذركم. إنكم تعتدون علي بغير (موجب قانوني) إن هذه البنت برغم ما تظهره من

<<  <  ج:
ص:  >  >>