للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التسامي. . . إنها عشيقتي، وأنا أعرف كل بقعة في جسمها، وآية ذلك أن مكان كذا منها علامة كذا، وقد قبضت مني ليلة أمس إذ باتت عندي إلى الصباح، ثلاثين ليرة ذهبية.

ابتعد الشرطيون فتشاوروا فرأوا أن يدعوا أباها، وكان تاجراً كبيراً وثرياً من أثرياء الحرب الذين أصابوا فيها غنى فاحشاً جعلهم ينتقلون نقلة واحدة إلى منازل (الأكابر. . .)، فتركوا حياة الفقر، ولكنهم تركوا معها حياة العفاف والستر، وقلدوا الأكابر في مناعمهم، ولكنهم قلدوهم أيضاً في رذائلهم. وأكثر ما تعيش الرذيلة راسبة في القعر أو طافية على الوجه، فلا تراها إلا في أسفل السلم الاجتماعي أو في أعلاه، أما الأوساط فهم الأخيار وهم الصالحون. . .

واستبقوا الفتاة والشاب في المخفر ريثما يحضر الأب.

ووقفت السيارة الفخمة بالباب، ودخل أخو البنت جاء به الرسول إذ لم يجد والدها، فلما أبصر أخته في المخفر وأبصر معها هذا الشاب المخنث زاغ بصره وحدثه قلبه بالشر، فانتحى به الشرطي ناحية ونفض إليه خلاصة القصة، فلم يتمالك أن جرّ أخته فأدخلها غرفة خالية عند الباب، وواراها وهي متعجبة تبصر ولا تفهم، وتحسّ منه الغضب ولا تعرف السبب، ومدّ يده مسرعاً فرفع ثوبها الرقيق القصير قبل أن تتنبه له أو تدري ما هو صانع. فلما رأى العلامة، أحسّ أن دماغه قد غلي فجأة كما يغلي الماء في إبريق الشاي، وثار كما يثور المرجل ثم شعر أنه قد (تبخر) من رأسه وأنه انقلب مجنوناً. . . ودارت به الأرض وتداخلت المرئيات ونسي هذا (التجدد) الذي استحبه ودعا إليه وارتضاه لأخته وزوجته كما ارتضاه أبوه. . . ونسي أنهم هم الذين اشتروا للبنت هذه الثياب، وهم ألبسوها إياها بعد الملاءة السوداء والنقاب الصفيق، وهم أرسلوها إلى المدرسة (الحديثة) التي أنشأتها الجمعية النسائية. . . وهم تركوها تقرأ على الشباب وتجالس الأغراب، وهم بعثوا بها وحدها تقيس الطرقات وتجاور في السينمات. . . وأحسّ بالجرح في قلبه، وانصبت نقمته على الفتاة وحدها، فبصق عليها ولعنها، ثم رفع يده فصك هذا الوجه الجميل صكه طنت في آذان الشرطيين فأحسوا حرّها على وجوههم وحزتها في قلوبهم، إذ قد فهموا منها أن قصة هذا (المخنث) صحيحة، وأن الفتاة التي حسبوها بطهرها وكبرها وسحرها أمنع من نجم السماء، قد بذلت أعز شيء عليها لهذا. . . المخلوق!

<<  <  ج:
ص:  >  >>