وأقبل الأخ فأعطى الشاب ثلاثين ليرة ذهبية من غير أن يلقي عليه نظرة أو يقول له كلمة، ثم استاق أخته وخرج، ولم يبصروا منها إلا قفاها، ولكنهم أبصروها مطأطئة الرأس، قد ذهبت عنها تلك الكبرياء وبطل ذلك السحر، أو أن إيمانهم بزلتها خيل إليهم ما زعموا أنه رأوه. . .
ومضت السيارة بالأخت وأخيها.
تركها في مقعد السيارة كأنما هي عدل ملقى، وقاد السيارة إلى الضيعة المعتزلة حيث كان أبوه، فأسرع عليه فسارة وأعلمه بالأمر، فسرعان ما أمحى طلاء (التمدن) الكاذب عن هذا التاجر الذي أعطاه الله مالا ولم يعطه عقلاً ولا ديناً شأن أكثر أغنياء الحرب. وسرعان ما عاد ذلك العربي الذي كان يئد البنات خوف العار، والذي تحوي لغته كلمة لا يمكن أن تترجم لأنه ليس في لغات الناس ما يقابلها ويحمل معانيها هي كلمة: العرض، وكذلك يبين إذا جد الجد، وكانت النتيجة الضرورية لهذه المقدمات (التي هي التكشف والانطلاق والاستهتار). . . أننا لا نزال كعرب الجاهلية في غيرتنا، وأن هذا التجديد تمويه، وقديماً قال المثل الأوربي: حك جلد الروسي يظهر لك التتري!
ثم عاد فجاء بالبنت؛ فلما رأت أباها، انفجرت عواطفها التي كبتتها المفاجأة الظالمة التي فاجأها بها أخوها وأجهشت وألقت بنفسها بين ذراعيه، وقالت: أبي! وحسبت أنها بلغت الحمى الآمن. وإذا بالأب يدفعها فتسقط، ثم يركلها بقدمه ويقول:
- أنا لست أباك أيتها العاهرة، لعنة الله عليك!
فتجحظ عيناها دهشة، ثم تثور مرة واحدة، وتصرخ:
- ما لكم؟ هل جننتم؟ إذا كانوا قد حكوا لكم شيئاً، أو وشوا وشاية فاسألوني وتحققوا، فإن. . .
فيقول الأب:
- أولك عين تحدق، ولسان يناقش يا ملعونة؟ قولي: ما هي صلتك به؟ قولي الحق وإلا ذبحتك كما تذبح النعجة. . .