للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما عا بالي بيعنّ ... غير البيت الرباني

بهذه الكلمات الموجزة البسيطة يعبر الشاعر عن خلجات صدر كل لبناني كان في الأصل صغيراً يوم ترك قريته في طلب الرزق، ثم صار كبيراً وقد جاب أقطار الأرض، وعاش فقيراً ثم غنياً، ورأى الكثير من دهره، ولم يبق ثمة من شيء يخطر بباله سوى البيت الذي نشأ فيه، ودرج منه، ليعود إليه، ولو يدب إليه دبيباً.

مَحْلا الضيعة والرزقات ... والراعي وصوت العنزات

ومحلا خرير الشلالات ... تحت سلاح السندياني

يا هل ترى بَرْجع بعد ... بَسْكن بيت الرباني؟

محلا الضيعة محلاها ... محلا مناخا وهواها

كيف ما بدِّي أهواها ... يلاّ الهجر كفاني

راجع يا بيتي مشتاق ... بَهْواك وأنت بتهواني

يقام حتى هذه الساعة، أسواق للأدب الشعبي تعقد حلقاتها في الساحات العمومية، يؤمها الناس من الجنسين من كل حدب وصوب يستمعون مباراة الزجالين ويشتركون معهم في الهزيج والإنشاد. وتمتاز هذه الاجتماعات العامة بميزة الارتجال التي لا أحمدها كثيراً لاضطرار مرتجليها إلى الارتكان على الذكاء وحده دون الروية والتبصر. وقد حدثونا عن إحدى هذه الحلقات وقد حضرها الدكتور طه حسين بك فقال الزجال مرتجلاً

وحياتك يا طه حسين ... مِنْي عاوز التِّنْتين

عين الواحدة تكفيني ... خد لك عين وخلي عين

أما الزجال أميل مبارك صاحب ديوان (أغاني الضيعة) فهو نسيج وحده، لا يحتذي سواه من الزجالين، بل ينظم القصيدة في شهر أو في شهور، وما يزال بها نحتاً وصقلاً، تارة في تنحية الكلمات الذاهبة في الأدب مذهب المثل، وتارة في استبعاد الكلمات العامية التي صارت شبه منسية أو هي في حكم المندثرة الحوشية، حتى يبلغ الغاية من الرضى عنها. ويكفيه أن ينشدها مرة واحدة حتى تتلقفها الآذان، وتتداولها ألسنة الناس إنشاداً، وينقلها البريد إلى كل صوب يأوي إليه لبناني في بقاع الأرض

اشتقت لزقزقة العصفور ... ولريحة هوا بلادي

<<  <  ج:
ص:  >  >>