بدي أرجع لمّ زهور ... عن حفة نهر الوادي
ربينا سنين وربينا شهور ... بالوادي بين الصخور
ربينا وكان يجي العصفور ... يشاركنا عَ الزوادي
كم لمشاركة العصفور على الزاد من سحر روحي جذاب قد لا يستعذبه سوى أليف الضيعة والمرهف الحس!
لا يشغل الغزل حيزاً واسعاً في ديوان (أغاني الضيعة) المتواضع، فكأن الحنين إلى المكان ألهى ناظمه عن السكان، وكأن حرصه على ذكر الدالية بعناقيدها، والتينة بما على فروعها من أعشاش، والعليق المتشابك عند الغدير، وتشوقه إلى قطف (كبوشه) أي عناقيده المزة الطعم، والصفصافة المنحنية الأغصان، والالتفاتات الكثيرة إلى ما جل ودق في طبيعة أشياء وأشخاص الضيعة من جرود وسهول وجبال إلى البقرة والعنزة والدجاجة، أنساه عنصر الحياة الأول، عنصر المرأة، وهي سر الغريزة الحقيقي، لا نسياناً كلياً، ولكنه توسل به توسلاً عرضياً فجاء وكأنه يستغني بالتلميح عن التصريح.
لما شافتني تنهدت بدون حَكِي ... ورغرغت بالدمع قصدا تشتكي
واحمر ورد خدودها وبكيت خجل ... ومن غصّتي ما قدرت قلها شو بِكي
لنلاحظ أن النظرة هي التي عطلت لغة الكلام، وأن الخجل هو الذي أحنى الرأس، وأن الغصة اشتركت مع النظرة في تعطيل اللسان فخفق القلب.
ضميت واقف وهي كمان وقفت معي ... رحنا ما قلنا رْجاع ولا ارجعي
وتنينا بها الوقت كنا بلا وعي ... عرفنا شو حكيو قلوبنا من التكتكي
فهذه الصورة على ما فيها من بساطة التصوير الرائع لاضطرابات النفس وخلجات الوجدان ونبضات الغرائز تماثل الصورة التالية وهي أكثر إمعاناً في سذاجتها وأدق في براءتها.
قديش كنا نروح ع دْروب الهوا ... وكبوش شِنْا محببي نقطف سوى
وكل ما حكينا ينقِّزنا الهوى ... قديش كنا نخاف لمح خيالنا
قديش كنا نروح نلعب بالحقول ... ونفرفط الزعرور ونفز الجلول
وقديش كان بَيَّك لبييِّ يقول ... بعدو ولدْ لا تضربوا كرما لنا