كم من مرة ذهبنا إلى الحقول وتخطينا الحواجز لنفرط الزعرور؟ وكم كان يقول أبوك لأبي دع ولدك إكراماً لي ولا تضربه لأنه لم يدرك بعد.
لناظم ديوان (أغاني الضيعة) ميول بينة إلى تسجيل كل ما يحيط بحياة القرية اللبنانية من ظواهر جوية وتغييرات مردها إلى تبدل فصول السنة وهي جد مضبوطة في ربوعه يعرفها قطانة باليوم الواحد يعدون لها العدة، ويرى طوالع الشتاء في فصل الخريف. . .
تجمعوا النحلات ورجعوا للقفير. . . . . . . . . . . . . . . . . .
والشمس بردوا حبالها، وناص القمر ... والميْ شحت ما بقى لها خرير
بردت أشعة الشمس وقل ضوء القمر، وشحت المياه وقلت، وعاد النحل إلى قفاره لأن البرية تتعرى في الخريف.
ويستقبل الشتاء بابتسامة المتأهب:
محلا الشتا ومحلا البرد ... لو عندك موني تكفاك
وندف الثلج وطق الشرد ... والقعدة حدّ الشباك
ومحلا الهوا بقلب الغاب ... ومحلا الكبوة حد النار
والرعد وطرق المزراب
وهو يتشوق إلى نسيم الصيف من خلال زهور الحقل في فصل الربيع.
رجع عالعش العصفور ... عا لحقلَهْ طار الفرفور
المرجة فرشت أرضا زهور ... تانيّم قمر نيسان
وبتشوف الندى بنيسان ... عا مدَى السهل وطولو
بتحسِّب فوق الريحان ... الدنيا مشتَّابي لولو
على مدى السهل، ترى الندى فوق الريحان في شهر نيسان كأنه اللؤلؤ أمطرته السماء.
يعلم الشاعر مبارك أن عدد القاطنين جبال لبنان اليوم يساوي عدد المهاجرين المتناثرين في أميركا الجنوبية والشمالية وفي المستعمرات البريطانية وسواها، ويعلم أيضاً أن لا سبيل ألبته إلى عودتهم إلى قراهم إلا بالتحبيب والتشويق والتذكير، ولم يتوسل بالموازنة بين مدن يسكنونها وهي عامرة، وبين مساقط رؤوسهم وهي شبه مقفرة، ولا بالمقارنة بين عواصم نزلوا بها وبين مباءات طفولتهم ومعقد ذكرياتهم، بل ابتكر طريقة حوار وسؤال