نحكم (النظرة المادية) في هذا الموضوع الخطير، فيكون الشخص - بناءً على هذه النظرة - شرّيراً. . . كلما ارتكب فعلا يدل - في ذاته - على قيام فكرة الشر عنده؛ بل يتعين علينا أن نحاول استكناه (النوايا) و (البواعث) الدافعة إلى ارتكاب الفعل، فإذا دل البحث عن سوء نية الفاعل، ألصقنا به تهمة الشر بناء على ذلك. وهذه هي (النظرة الشخصية) التي نبه إليها دعاة المدرسة الإيطالية وعلى رأسهم الفقيه لمبروزو، والذين كان لهم فضل توجيه نظر الباحثين إلى وجوب تقدير العقوبة على أساس من دراسة دوافع السلوك وبواعث الأعمال والعوامل الاجتماعية المحيطة المؤثرة.
والنفس الفنانة كثيراً ما يستحثها توفر الحس فيها وتعدد شعورها بجوانب الحياة المختلفة - علويها وسفليها - إلى التورط في الشر والانكباب عليه. . . ولا يكون هذا السلوك إلا دلالة قاطعة على ما تلاقيه هذه النفس العاثرة الجد - التي تنطوي على الخير المحض - من عسف وإعنات من جانب المجتمع والقائمين على رعايته. وبالتالي يروح الرجل - المتميز بأي ضرب من ضروب الامتياز - يغرق همومه ويعالج إخفاقه في الحياة بالتهالك على المتعات الحسية واستياف اللذات الرخيصة. وما هذا السلوك من جانبه - في واقع الأمر - إلا برهان قوي على قوة الحيوية في نفسه وتعدد طاقاته وعدم ارتضائه الاستكانة إلى الظلم ومذلة الهوان!
ولا أظن أحداً يتشكك في حسن طوية (النّواسيّ) ونقاوة سريرته ورحابة آفاقه؛ وإن فيما أورده المعنيون بالبحث في طبيعة نفسه، ما يستشعر منه تشبث هذا الفنان الممتاز بعاصم الكبرياء وقوة شعوره بذاته.
ولعل فيما أثبته الأستاذ الفاضل عبد الرحمن صدقي عن (بودلير) في كتابه (الشاعر الرجيم) ما يؤكد ما ذهبنا إليه في إمكان رد أغلب سيئات الفنان وحماقاته إلى ظروف الأسرة وقساوة المجتمع!
عبد العزيز الكرداني
تجديد علم المنطق للأستاذ عبد المتعال الصعيدي
قامت مكتبة الآداب بدرب الجماميز بطبع كتاب تجديد علم المنطق في شرح الخبيصي