من غير ليلى، فاشتهى يوماً أن يدنو من امرأة كما يشتهي كل رجل، فقادته المصادفة إلى ليلى، فأرادها. . . فلم يصل إليها فجن. . . ولو كان عاقلا لرأى في كل امرأة في الدنيا غناء من ليلى. . . إن مثله مثل رجل أراد أن يدخل بيتاً له مائه باب، فطرق باباً منها وعالجه، فلم يفتح له، فتوقف يبكي وينتحب، شوقاً إلى الدخول، ويضرب الجار برأسه، والأبواب التسعة والتسعون مفتحة أمامه!
وإن لكل رجل (ليلى):
كل يغني على ليلاه متخذاً ... ليلى من الناس أو ليلى من الخشب
فان فاتته ليلى الناس أجزأت عنها ليلى الخشب، فما بال قيس؟ أو لم يخلق الله في النساء جميلة إلا ليلاه؟ أو ليست المصادفة هي التي ألقتها بين يديه، ولو كان رأى سعدي أو سلمى، لكان مجنون سلمى أو سعدي؟
وهذا مجنون آخر هو ستيفن ماجدولين:
ولقد عرفته مذ نقله إلى الشرق إمام الكاتبين المنفلوطي رحمة الله على روحه، ثم رأيت وجهه الفرنسي الأصيل في يوم كنت فيه أنا أيضاً مجنوناً يفكر بأعصابه لا بدماغه، ويرى الدنيا كلها خلوة من خلوات الحب، والحياة قصة من قصص الغرام، والوجود كله وجه فتاة فتانة. . وقاتل الله الصبا وحماقات الصبا. . . عرفته يومئذ فرايته (بجنوني) بطلا من أبطال الحب، وشهيداً من شهداء العاطفة، ولكني عدت إليه اليوم، وقد عقلت، أو كدت، فإذا هو. . . أعوذ بالله!
يقول المجانين إن الحب يطهر النفوس ويزكيها، ويوسع آفاقها وينميها، ويسمو بها ويعليها، فتعالوا اسمعوا حديث هذا المحب الفرنسي ما صنع به الغرام:
هجر أباه وتبرأ منه، وأنكر حق أبوّته. . . ثم ذهب أخوه إلى المعركة وخاف أن يسقط عن سرجه، فبعث إليه يسأله ثمن سرج جديد، فلم يرد عليه، لأنه يحتاج إلى المال لينفقه فيما هو أهم، يريد أن يستأجر به مقعداً في المرقص يرى منه وجه ليلاه، أي ماجدوليته، فسقط أخوه عن سرجه، ومات في المعركة. . . ثم فارق أباه وبقي في العراء، فأحسن إليه واحد من أقربائه، وأعطاه ما يبغي من المال، فكانت مكافأته إياه على إحسانه أن سرق ماله، ودفع في صدره، فعجل موته. . .