الأكاديمية الفرنسية: إن الأفكار والحوادث والمكتشفات شركة بين الناس، ولكن الأسلوب من الرجل نفسه.
(نعم قال: (بوفون) إن الأسلوب من الرجل نفسه، ولم يقل: إن الأسلوب هو الرجل، كما شاع ذلك على الألسنة. ولم يرد بما قال، إن الأسلوب ينم عن خلق الكاتب، ويكشف عن طبعه كما فهم أكثر الناس؛ وإنما أراد أن الأسلوب، ويعني به النظام والحركة المودعين في الأفكار، هو طابع الكاتب وإمضاؤه على الفكرة؛ ومعنى ذلك أن الأفكار تكون قبل أن يفرغها الفنان في قالبه الخاص، من الأملاك العامة؛ فإذا عرف كيف يصوغها على الصورة اللازمة الملائمة تصبح ملكا خالصا له، تسير في الناس موسومة بوسمه، وتعيش في الحياة مقرونة باسمه، فالأسلوب وحده هو الذي يملكك الأفكار وإن كانت لغيرك. ألا ترى أن أثر الأخلاق في بقاء الأمم وفنائها معنى من المعاني المأثورة المطروقة، فلما أجاد شوقي سبك اللفظ عليه في بيته المشهور:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
أصبح بهذه الصيغة من حسناته المعدودة، وأبياته المروية!)
ونحن - على اتفاقنا مع الأستاذ في المبدأ السابق - نختلف معه هنا كما نختلف مع الجاحظ صاحب نظرية المعاني الملقاة على قارعة الطريق.
فإن كون العمل الفني يتألف من المعنى والصورة، بحيث لا يمكن الفصل بينهما. لا يقتضي أن تكون الصورة وحدها هي العمل الفني الذي يثبت ملكيته من يجيده، ولا يقتضي كذلك أن تكون جودة الصيانة كفيلة برفع المعنى إلى مرتبة الجودة، كما جاء في بحث الأستاذ في مكان آخر حيث يقول في ص ٧٣:
(إذا حلى في صدرك بعد ذلك أن تذهب إلى ما ذهبت إليه من أن تجويد الأسلوب يتضمن تجويد الفكرة ويضمن خلودها فدعك من أولئك الذين عادوا الكمال الفني بطباعهم. . الخ)
أو حيث يقول في ص ٢٦:
(وليس أدل على أن الشأن الأول في البلاغة إنما هو لرونق اللفظ وبراعة التركيب، من أن المعنى المبذول أو المبذول أو التافه قد يتسم بالجمال، ويظفر بالخلود، إذا جاد سبكه وحسن معرضه. ولا بأس أن أقدم إليك مثلا من آلاف الأمثلة، بلغ معناه الغاية في السوقية