والفحش، ومع ذلك تحب أن تسمعه وتحفظه وتعيده لأنة بلغ من سر الصناعة تطلع دونها اكثر الأقلام.
(قال أبو العيناء الأعمى لابن ثوابه: بلغني ما خاطبت به أبا الصقر، وما منعه من استقصاء الجواب إلا انه لم ير عرضا فيمضغه، ولا مجدا فيهدمه.
(فقال له ابن ثوابه: ما أنت والكلام يا مكدي؟
(فقال أبو العيناء: لا ينكر على ابن ثمانين سنة، قد ذهب بصره، وجفاه سلطانه، أن يعول على إخوانه، ثم رماه بمعنى مكشوف. فقال ابن ثوابه:
(الساعة آمر أحد غلمانى بك.
فقال أبو العيناء:
(أيهما؟ الذي إذا خلوت ركب، أم الذي إذا ركبت خلا؟)
فانظر في هذه الجملة الأخيرة تره رمى ابن ثوابه في نفسه وفي زوجه، وهما معنيان سوقيان يترددان كل ساعة على السنة السبابين من أوشاب العامة. وانك مع ذلك من هذه الجملة موقف المشدوه المعجب، تحرك بها لسانك، وتعمل فيها فكرك، وتعرضها على مقاييس البلاغة وشروطها، فتطول على كل قياس وتزيد على كل شرط).
إلى أن يقول في ص ٢٨:
(فأنت ترى أن الصياغة وحدها هي التي سمت بهذه المعاني الخسيسة إلى أفق البلاغة فتداولتها الألسن، وتناقلتها الكتب. وليس حال المعنى في ذلك حال اللفظ، فإن اللفظ في ذاته كالموسيقى يخلب الأذن، ويلذ الشعور وإن لم يترجم. أما المعنى فكالكهرباء، إذا لم يكن لفظه جيد التوصيل، انقطع تياره، فلا يعرب ولا يطرب. اقرأ قول القائل:
لما أطعناكم في سخط خالقنا ... لا شك سلَّ علينا سيف نقمته.
(ثم وازن معناه الشريف ونسجه السخيف، بما رويت لك من كلام أبي العيناء، فلا يسعك إلا أن تقول كما أقول:
(إن القَذر يوضع في آنية الذهب فيقبل ويحمل، وإن المسك يوضع في تافجة الطين فيرفض ويهمل)
ونريد نحن أن نقف عند الحقيقة الأولى التي اتفقت فيها مع الأستاذ كل الاتفاق، فتجاوزها