إن العمل الفني لا يكون بالفكرة الجيدة المبتكرة وحدها، ولا بالإحساس الصادق الجميل وحده، إنما يتم بالصورة الجميلة التي يبرز فيها المعنى والإحساس
أما الصورة وحدها، فلا تستطيع أن تخلق فناً إنسانياً خالداً إذا خلا من الإحساس الجميل الصادق، ومن الفكرة العميقة المبتكرة، ومن التصور الفذ الخاص، هذه العناصر التي يجب أن يحسب لها حسابها في كل فن يراد له السمو أو الخلود
وأقصى ما تصل إليه الصياغة أن ترفع المعنى أو الإحساس في صورة عنه في صورة أخرى، ولكنها لا ترفع بذاتها عملا فنياً على عمل فني آخر، إذا ارتفعت في الأول مع سفول معانيه، وانخفضت في الثاني مع ارتفاع قيمته.
إنها تصلح مقياساً حين تتحد الفكرة أو المعنى العام ثم تختلف الصورة، ولكنها لا تصلح للقياس الدقيق حين يكون هناك فكرتان أو معنيان يختلفان في قيمتهما الإنسانية والشعورية.
وهذه كلمة أبي العيناء، إنها ستبقى - على براعة صياغتها - مجرد نكتة لاذعة، لا تتسامى إلى الآفاق الشعورية في الفن العالي، وكذلك سيبقى بيت (شوقي) حكمة مكرورة شائعة، ولكنها لا تسلك في مستوى الحكمة النابعة من طبع ذي خصوصية وامتياز. أما البيت الذي استشهد به الأستاذ على ما تصنعه الركة بالمعنى العالي، فهو صالح كذلك للاستشهاد به على سوقية التفكير، إذ لا خصوصية ولا ارتفاع عن تفكير العوام
والخصوصية في الأحاسيس والمشاعر والأفكار شيء ثابت، وله قيمته التي لا تنكر، وهي مناط الأصالة في الفن، وكل ما نريده هو القول بأن هذه الخصوصية لا تبدو كاملة إلا في صورة جيدة الصياغة، وفي أصالة أسلوب وتعبير تكافئ أصالة الشعور والتفكير، وإلا بقيت مطموسة ناقصة لا تبدو في جلالها الكامل، ولا ترقى إلى الآفاق العالية في الفنون
وقد تحدث الأستاذ عن الأصالة والخصوصية في الأسلوب حديثاً في غاية الجودة والصحة حين قال في ص ٨٢:
(يراد بالأصالة في الأسلوب بناؤه على ركنين أساسيين من خصوصية اللفظ وطرافة العبارة، وتلك هي الصفة الجوهرية للأسلوب البليغ، والسمة المميزة للكاتب الحق. ومِلاك