المقصود، المعنى أوجز لفظ وأخصره، مجرداً عن ظلاله وملابساته وظروفه. المعنى المركز في (برشامة)!
ونحن لا نتردد في إيثار طريقة صاحب الطاحونة! - من الناحية القصصية - لأنه يصور الجو والملابسات، ويطيل التشويق، ويتضمن المفاجأة في النهاية وهو على تفاهة حكايته (صاحب فن) في روايتها، يهيئ له أن يصبح قصاصاً!! أما صاحبه الآخر الذي رد عليه فرجل عجول، وهو قد يكون أشد عروبة، ولكنه ليس أحسن فناً!
أما القرآن فلم يتبع خطة واحدة. لقد استخدم الإيجاز والإصناب كلاّ في موضعه، وحسب الغرض النفسي الذي يتوخاه وقد جاء في فصل (التناسق الفني في القرآن) من كتاب (التصوير الفني في القرآن) ما يأتي:
(بعض المشاهد يمر سريعاً خاطفاً، يكاد يخطف البصر من سرعته، ويكاد الخيال نفسه لا يلاحقه. وبعض المشاهد يطول ويطول حتى ليخيل للمرء في بعض الأحيان أنه لن يزول. وبعض هذه المشاهد الطويلة حافل بالحركة، وبعضها شاخص لا يريم. وكل أولئك يتم تحقيقا لعرض خاص في المشهد، يتسق مع الغرض العام للقرآن ويتم به التناسق في الإخراج أبدع التمام)
ثم ضربت أمثلة متعددة للقصر الخاطف، وأمثلة متعددة للطول المقصود في عرض المواقف. ويحسن أن أختار هنا مثالين من تلك الأمثلة الكثيرة:
١ - يريد أن يصور للناس قصر هذه الحياة الدنيا التي تلهيهم عن الآخرة، فيخرج القصر في هذه الصورة:
(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا، كما أنزلناه من السماء، فاختلط به نبات الأرض، فاصبح هشيماً تذروه الرياح).
(وانتهى شريط الحياة كله في هذه الجمل القصار، وفي هذه المشاهد الثلاثة المتتابعة: (ماء أنزلناه من السماء) ف (اختلط به نبات الأرض) ف (أصبح هشما تذروه الرياح).
(ألا ما أقصرها حياة!
٢ - ويريد أن يبصر الناس بنعمة من نعم الله عليهم، هذه الصورة نفسها: صورة نزول الماء من السماء وإنبات الزرع به، وصيرورته حطاماً. . . ولكن في تطويل وتريث