وتفصيل، لأن التذكير بالنعمة يقتضي التريث والتفصيل فالقسم الأول
من الصورة وهو نزول الماء من السماء يعرض هكذا:
(الله الذي يرسل الرياح، فتثير سحاباً، فيبسطه في السماء كيف يشاء، ويجعله كسفاً، فترى الودق يخرج من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون)
والقسم الثاني بعد وصول الماء إلى الأرض يعرض هكذا:
(ألم تر أن الله أنزل من السماء، فسلسكه ينابيع في الأرض، ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه، ثم يهيج فتراه مصفراً، ثم يجعله حطاماً)
فالرياح تثور، فتثير السحب في السماء، فيتراكم السحاب، فيخرج منه المطر، فينزل المطر من السماء، فيستبشر به عباد الله فإذا نزل إلى الأرض، فلا يختلط بالأرض ولا بنبات الأرض - كما حدث هناك - إنما يسلك ينابيع. (ثم) - في تراخ - يخرج به زرعاً. (ثم) مرة أخرى - يهيج فتراه مصفراً - وفي الوقت مهلة لتراه - (ثم) مرة ثالثة يجعله حطاما. (يجعله!) وهناك (اصبح هشيما) كأنما يصير هكذا من نفسه بلا حاجة إلى مصير!
وفي مشاهدة القيامة مثل هذه الإطناب وذلك الإيجاز، وفي المواقف القصصية. وفي كل موضع يقتضي التفصيل او الأجمال، فالقران في هذا خارج عن مأثور النثر العربي. متميز بخصائصه الفنية في كل موقف وفي كل حال.
فلننظر في السمة الثانية من سمات اللغة العربية في تلاؤم الألفاظ. وهي السجع والازدواج. والازدواج بشكل خاص: (فالازدواج على اطلاقه، والسجع على تقييده، يؤلفان الموسيقية في الأسلوب البليغ، منذ كان للعرب ذوق، وللعربية أدب. فليست الحال فيهما هي الحال في سائر الأنواع البديعية التي نشأت في الحضارة ونمت بالترف، وسمجت بالفضول. وفسدت بالتكلف. فالذين ينكرون على من يحسنون التأليف بين الأصوات، والمزاوجة بين الكلمات، والمجانسة بين الفواصل، إنما ينكرون جمال البلاغة وجميل البلغاء في دهر العروبة كله. وإذا أقررناهم على أن ذوق العصر لا يسيغ ذلك البديع الذي أولع به كتاب العصر الخامس، ومن خلف من بعدهم، فذلك لأننا لا نقحم في ذلك البديع تلك الأنواع التي تحسب في عناصر الأسلوب، وتنسب إلى خصائص اللغة، كصحة المقابلة، وحسن التقسيم، وائتلاف اللفظ والمعنى، واتفاق الفقرة والفقرة في الوزن، أو اتحاد الفاصلة