للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والهدوء والحب، ورأى أباه أبا حقيقيا تفيض روح الأبوة من عينيه الحانيتين، ويديه الممتلئتين أبدا بالطرف واللطف، ولسانه الرطب بكل جميل من القول محبب من الكلام. . .

ويكر الفلم ويرى أمه مريضة فلا يهتم بمرضها، ويحسبه مرضا عارضا. . ثم يرى الدار والاضطراب ظاهر فيها، والحزن باد على وجوه أهلها، ويسمع البكاء والنحيب، ويجدهم يبتعدون به، ويخفون النبأ عنه، ولكنه يفهم منهم أن أمه قد ماتت. ماتت؟ إنها كلمة تمر عليه مرا هينا لا يأبه لها، وكان قد سمع بالموت، وقرأ عنه في الكتب، ولكنه لم يره من قريب ولم يدخل داره، ولم يذقه في حبيب ولا نسيب، غير أن الأيام سرعان ما علمته ما هو الموت حين صحا صبيحة الغد على بكاء أخته الحلوة المحببة إلى أمها، والتي كانت محببة تلك الأيام إلى أبيها، ففتح عينيه فلم يجد أمه إلى جانبها لترضعها وتضمها إلى صدرها، واشتد بكاء البنت، وطفق الولد ينادي: ماما. . . ثم جفا فراشه وقام يبحث عنها، فوجد أباه وجمعا من قريباته، يبكون هم أيضا. . فسألهم؛ أين أمه؟ فلم يجيبوه. وحين أراد الغدو على المدرسة، فناداها فلم تأت لتعد له حقيبته وتلبسه ثيابه ولم تقف لوداعه وراء الباب تقبله وتوصيه إلا يخاصم أحدا وألا يلعب في الأزقة، ثم إذا ابتعد عادت تناديه لتكرر تقبيله وتوصيته، وحين عاد من المدرسة فوجد امرأة غريبة ترضع أخته. . لماذا ترضعها امرأة غريبة؟ وأين ماما؟.

ويكر الفلم، ويرى أباه رفيقا به حانيا عليه يحاول أن يكون له ولأخته أما وأبا، ولكن هذا الأب تبدل من ذلك اليوم المشؤوم ورأى ذلك اليوم المشؤوم، يوم قال له أبوه: ستأتيك يا ماجد أم جديدة. . أم جديدة؟ هذا شيء لم يسمع به، إنه يعرف كيف تجئ أخت جديدة، إن أمه تلدها من بطنها، أما هذه الأم فمن أين تولد؟ وانتظر وجاءت الأم الجديدة، وكانت حلوة، ثيابها جميلة، وخدودها بلون الشفق، وشفاهها حمر، ليست كشفاه الناس. وعجب من لون شفاهها، ولكنه لم يحبها ولم يمل إليها، وكانت في أيامها الأولى رقيقة لطيفة، كالغرسة الصغيرة، فلما مرت الأيام واستقرت في الأرض ومدت فيها جذورها، صارت قاسية يابسة كجذع الدوحة، وإن كانت تخدع الرائين بورقها الطري وزهرها الجميل. . . ولما ولدت هذه البنت انقلبت شيطانه على صورة أفعى مختبئة في جلد امرأة جميلة. والعياذ بالله من

<<  <  ج:
ص:  >  >>