للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تطورت هذه القصة وأمثالها بمرور الزمن فنصت فيما بعد على أن الخاتم الحقيقي كان يعرف من بين الخواتم الأخرى بما كان يظهر منه من الأعمال الخارقة والمعجزات. وكان هذا دليلا على أنه هو الأصل وهو خاتم المسيحيين. كما تطورت صورة ناثان إلى أن جعل لسنك صورة هذا الشخص تنطبق على صورة صديقه الفيلسوف اليهودي (موسى مندلسن (١٧٢٩ - ١٧٨٦م) والكاتب الذي عاش في مدينة برلين. وكان شخصية فذة معروفة في أوساط تلك المدينة حتى تمكن بفضل منزلته من تخفيف حدة البروسيين بالنسبة لليهود.

وقد ساعد (مندلسن) صاحبنا كثيرا وسعى عند تاجر من تجار مدينة (هامبرك) حتى أقرضه مالا طبع به بعض كتبه. وتأثر بكثير من آراء مندلسن؛ فأخذ بأفكاره بالنسبة إلى الفلسفة اللاهوتية والأديان ولا شك في أن لتلك القصص الدينية التي كان يسمعها من (موسى مندلسن) دخلا في صقل عقلية لسنك وفي قصة (ناثان الحكيم).

واستعان لسنك بعنصر آخر هو التاريخ الشرقي ذاته.

وكانت أوروبا في هذا العهد ولا سيما فرنسا قد تذوقت الأدب الشرقي وأقبلت عليه، وصار الأدباء يبحثون بين ثنايا القصص الشرقي لينسجوا منه نسيجا جديدا. وكان فولتير الذي تعرف عليه لسنك في برلين، والذي اتصل به اتصالا وثيقا، في طليعة هؤلاء الكتاب الذين استعانوا بالخيال الشرقي وبتاريخ الشرق. ولفولتير هذا مسرحية زيير وكانت هذه المسرحية قد اكتسبت شهرة واسعة ومثلت في برلين، وكان لسنك بالطبع ممن حضر التمثيل ودرس الرواية وله (دراما محمد

تأثر لسنك في (ناثان الحكيم) بقصة كثيرا حتى إننا لنجد التشابه ظاهرة في كثير من المواضع، كما تأثر فولتير وبأفكاره السياسية، حتى أماكن النقد تكاد تكون واحدة. وقد استعار منه حتى المصطلحات التي كان قد تخصص بها فترجمها إلى الألمانية.

صور (صلاح الدين الأيوبي) في هذه الرواية وفي الروايات الأوروبية الأخرى بصورة الملك الفيلسوف، بصورة فيلسوف حديث يحمل آراء القرن الثامن عشر ويبشر بها بين الناس. فيدعو إلى (المذهب الإنساني) الذي استولى على أفئدة الناس في ذلك الوقت. ويحث الناس على اتباع الفلسفة التي كان يدعو إليها لسنك وأمثاله. فهو ملك شرقي وفيلسوف غربي في آن واحد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>