(وهل نستطيع أن تبيين الكمال الفني في أسلوب هوميروس وفرجيل ونحن نقرؤهما مترجمين؟).
ويعلق الأستاذ الزيات على هذا الرأي فيقول:
(وهذا القول الظاهر البطلان، لأن المخلوقات الحية التي يلدها ذهن الكاتب، لا يتسنى لها البقاء على توالي الأعقاب والأحقاب إلا بالأسلوب كما قال شاتوبريان)
(أما قوله: (وهل نستطيع أن نتبين الكمال الفني في أسلوب هوميروس وفرجيل ونحن نقرؤهما مترجمين؟) فمرماه أن روائع اليونان والرومان لم تخلد على الدهر إلا بمعانيها المبتكرة ووقائعها المشوقة، وعواطفها الصادقة، وشخوصها الحية، بدليل أننا نقرؤها اليوم بمعانيها لا بمبانيها، وبفكرها لا بصورها. فلو كان خلودها منوطا بدقة الصياغة وجودة الصناعة لما عاشت بالترجمة. ثم يترتب على ذلك خطأ القول باتحاد الصور والأفكار في الأسلوب، لأننا حين نقرأ الإلياذة مثلا في الفرنسية أو في العربية لا نقرأ منها عين الموضوع.
(والحق الذي تؤديه الدلائل أن جمال الأسلوب وحده هو الذي ضمن الخلود لهذه الروائع؛ فإن الثابت بالسند المتصل والخبر المتواتر أنها كانت آية عصرها في البلاغة، ولولا ذلك ما روتها الرواة ولا ترجمتها التراجم).
ونحن نرى أن أميل زولا كان على كثير من الحق وهو يقول:(والكاتب لا يظفر بالخلود إلا إذا استطاع أن يوجد مخلوقات حية) وليس هذا القول (ظاهر البطلان) كما يرى الأستاذ الزيات؛ كما أن تعليق الأستاذ بعد هذا صحيح، ولا تتناقض صحته مع صحة رأى زولا في شيء. فالمخلوقات الحية التي بلدها ذهن الكاتب لا يتسنى لها البقاء إلا بالأسلوب. ولكنها يجب أن تكون (حية) ليحتفظ الأسلوب لها بالحياة وإلا عجز منحها الحياة!
وكذلك نحتاج إلى شيء من التحفظ في تعليق الأستاذ على خلود روائع هوميروس وفرجيل؛ فليس الأسلوب (وحده) هو الذي ضمن لها الخلود، فلا بد من عنصر آخر حي مع الأسلوب، كما اتفقنا من قبل، الأستاذ وأنا، على هذا الأصل الكبير (في أول مقال).
ويستطرد الأستاذ في تعليقه فيقرر في شأن الترجمة رأيا صحيحا نرجو أن ينتفع به من يتصدون لترجمة روائع الأدب العالمي! ذلك حين يقول في ص٧٢: