(والترجمة الصحيحة لا تنقل أفكار الكاتب أو الشاعر وحدها عن الاصل؛ إنما تنقل مع ذلك إشراق روحه، وسمو إلهامه، ولطف شعوره، ونمط تفكيره، وخصائص أسلوبه. فلو أن ترجمانا ضعيف العربية من تراجم المحاكم حدثته نفسه أن يعرض لإحدى روائع شكسبير فنقلها نقلا لفظيا بأسلوبه الذي يترجم به عروض الأحوال، أو أصول الاحكام، فهل تقول إذا استطعت أن نقرأ ما كتب إنك قرأت شكسبير؟ أم ترى أنك قرأت ألفاظا كالعظام المعروقة المبعثرة، لا تمثل من أي حيوان معنى من معانيه، ولا صورة من صوره؟. . . الخ).
وهذا دستور جيد للترجمة. وأشهد أني أقرأ في هذه الأيام مترجمات لا أدري إن كانت على رأي البحتري، إن كان صنع إنس لجن، أن صنع جن لإنس! فلعل من يتصدون للترجمة ينتفعون بهذا الدستور القويم!
وأخيرا نقف أمام لفتة طيبة تقرن فحولة الفن بفحولة الأمة عامة وفحولة البطل منها خاصة؛ وهي لفتة صادقة ولكننا لا نثبتها هنا لمجرد الصدق، بل للتوجيه أيضا:
جاء في ص١٢٢:
(وازن بين عصر وعصر في الأدب، أو بين أديب وأديب في الاسلوب، تر الفرق بينهما إذا حللته لا يخرج عن قوة الرجولة في هذا وضعفها في ذاك. فعصر الجاهلية عند العرب واليونان، وعصر الفتوح عند المسلمين والرومان، وعهد الفروسية عند الفرنسيين والطليان، كانت أزهى عصور البلاغة، لأن الرجولة كانت فيها بفضل النزاع والصراع في سبيل الحياة والغلبة والمجد والمرأة أشد ما تكون تماما واضطراما وقوة. فلما قتل الترف الرجولة، وأذل العجز النفوس، زهقت روح الفن، وذهبت بلاغة الأسلوب، وأصبح أدب الأديب سخفا وزيفا وثرثرة)
وجاء في ص١٢٣:
(إن الأدب البليغ كامن في البطل على أي صورة كان. فهو إن أنتجه برز فيه، وان لم ينتجه شجع عليه. لذلك ازدهر الأدب في ظلال أغسطس وبركليس والرشيد وسيف الدولة. وما دام كبراؤنا لم يخلقهم الله من الأبطال ولا من عباقرة الرجال، فهيهات أن ينتجوا الأدب أو يفهموه أو يحبوه أو يعضدوه أو يقدموا أهله. وسيظل هذا النور الضئيل من الأدب