ويعود إلى حيث العفة فيقول:(أن من يحب إلا يغلق دونه الأمل في أن يكتب ما يعظم وقعه في النفس فعليه أن يكون هو نفسه قصيدة صحيحة، أعنى مزيجا من أجمل الأشياء وأشرفها بهذه الفكرة يصحبها جمال في طبيعتي وكبرياء شريفة في نفسي ونظرة منى سامية إلى ذاتي سواء فيما سلف من حياتي وفيما استقبل منها؛ بهذا كله لا أزال أعلو على ذلك التدهور العقلي الذي لا بد أن ينحط إلى اسفل منه من تقر نفسه الفسوق والفحشاء).
ويقول إنه قد تعلم كمسيحي أن فقدان العفة في الرجل وهو أكمل الزوجين جنسا وهو صورة الله ومجده، أكثر عيبا منه في المرأة التي هي مجد الرجل فحسب؛ وأن في الجنة ألحانا قدسية لن يفهمها إلا من لم يدنس بالنساء بدنه. وتطرق من هذا إلى قوله انه ككل عاقل يفضل أن يتزوج بعذراء فقيرة على أن يتزوج بأرملة غنية.
وينتقل ملتن بعد الدفاع إلى الهجوم، فيعود إلى التنديد بالأساقفة وجمود عواطفهم وتعصبهم وجهلهم وحماقاتهم على نحو لا يسهل معه أن نقول أيهما كان أقذع لفظا وأفحش هجوا: ملتن أم خصمه هول.
بهذا الكتيب الخامس تنتهي الحرب بين ملتن والقساوسة، وهي جانب من جوانب دفاعه عن الحرية، وهو هنا إنما يدافع عنها أمام التعصب الفكري الذي هو من أشد أعدائها خطرا عليها.
ولا بد من نظرة إجمالية في هذه الكتيبات الخمسة بعد أن بينا موضوع كل كتيب منها والدافع الذي حمل ملتن على كتابته.
يخطئ من ينظر إلى هذه الكتيبات على أنها عمل أدبي، فما كانت في الواقع إلا حربا قوامها الحماسة والعنف، لا يعني صاحبها إلا أن يصيب فيصمى فيهزم، وشتان بين هذا وبين العمل الأدبي الذي يقيمه صاحبه على أساس من الفن وتكون قوامه فكرة إيجابية فيبنى كما يهدم ويتبين ما يأخذ مما يدع، ويتفنن في إبداع الصورة وفي اختيار اللفظ وإحكام النسج لكي يجمع بين وضوح الفكرة وجمال الأداء.
لهذا كان يجمع ملتن في كتيباته هذه بين السمو والإسفاف والبلاغة والركاكة والجودة والغثاثة، والحجة الناصعة والشتائم المقذعة، والفسلفة الرصينة والتفاهة المشينة، والغرض النبيل والطعن الشخصي الوبيل، لا يعنيه إلا أن يؤلم ويوجع ويشفى سخيمة صدره، وأن