المهاجرين من قطر إلى قطر، ومن أوربا إلى النواحي الأخرى فمن العالم، والزيادة المستمرة في عدد الجمعيات الخيرية، والزيادة في مخصصات الفقراء ومساعدات المعوزين، كل أولئك كلف في إثبات ما نقول، والشاهدان الأخيران يدلان كذلك على أن العناية العامة آخذة في التيقظ لآلام الشعب، ولكن عجزهم عن تخفيف هذه الآلام إلى أي حد محسوس يدل على استمرار مروع في شيوع الفاقة بين الطبقات التي يجهدون في معاونتها
ومع ذلك فالواقع أنه حدث في الخمسين عاما المنصرمة أن زادت ينابيع الثروة العامة، وكثرت خيرات الحياة، وتضاعف الإنتاج، واشتد نشاط التجارة، واتسعت دائرتها وسط الأزمات المتلاحقة التي لا مفر منها إذا انعدم النظام. كما أن المواصلات أصبحت مأمونة وسريعة في كل مكان تقريبا، وهبطت أسعار السلع بسبب انخفاض أجور النقل.
ومن جهة أخرى، فنحن نرى الآن كيف أن فكرة الحقوق المتأصلة في الطبيعة الإنسانية أضحت مقبولة على العموم
نعم مقبولة، ولكن لفظا وخداعا، حتى عند أولئك الذين يسعون في اجتنابها فعلا. فلماذا لم تتحسن حال الشعب؟ ولماذا نرى استهلاك المنتجات بدلا من أن يكون مقسطا على السواء بين جميع أعضاء المجتمع الأوربي نراه محصورا في أيدي فئة قليلة تكّون أرستقراطية جديدة؟ ولماذا نرى الانتعاش الذي أصاب التجارة والصناعة لم يود إلى يسر الأكثرية، بل إلى ترف الأقلية؟
إن الجواب يتضح لأولئك الذين ينعمون النظر قليلا في الأشياء. فالناس نتاج التربية. وهم في سلوكهم يصدرون عن مبدأ التربية الذي طبعوا عليه؛ فالرجال الذين ألهبوا نيران الثورات حتى اليوم إنما أثاروها بوحي فكرة حقوق الفرد. وها قد حققت هذه الثورات أمنية الحرية: الحرية الشخصية، وحرية التعليم، وحرية الاعتقاد، وحرية التجارة،؛ بل الحربة في كل شيء ولكل إنسان ولكن ما فائدة إعلان الحقوق لمن لا يملك وسيلة لاستخدامها؟ وماذا تعني حرية التعليم لأولئك الذين لا يجدون وقتا أو واسطة للانتفاع بها؟ أو حرية التجارة لمن لا يملك شيئا يتاجر به، لا راس المال ولا النسيئة (الائتمان)؟ بل لقد حدث في جميع البلاد التي أعلنت فيها هذه المبادئ إن المجتمع كان يتكون من فئة كانت تملك الأرض وتحوز النسيئة وراس المال ومن جماهير غفيرة لا تملك غير أيديها، وكان عليها