يقينا إن الحقوق كائنة؛ ولك حيث تصطدم حقوق فرد بحقوق آخر، كيف نستطيع أن نأمل التوفيق والتسوية بينهما من غير الاستناد إلى شيء أسمى من جميع الحقوق؟ وحيث تتعارض حقوق فرد أو أفراد كثيرين وحقوق الوطن فإلى أية محكمة ندعي؟ إذا كان الحق في الرفاهية في أقصى حدودها يتقسط كل شخص حي فمن ذا يفض النزاع بين العامل وصاحب العمل؟ وإذا كان الحق في الحياة هو أول واقدس حق لكل إنسان، فمن ذا يطلب تضحية هذه الحياة لمنفعة بقية الناس؟ أستطلبونها باسم الوطن أم باسم المجتمع أم باسم فريق من إخوانكم؟ ما الوطن في نظر من أتحدث عنهم سوى البقعة التي نظمن فيها حقوقنا الذاتية كل الظمآن. وما المجتمع سوى مجموعة من الناس الذين اتفقوا على استخدام قوة الكل لتأييد كل فرد؟
وهل بعد أن علمت الفرد مدة خمسين عاما إن المجتمع إلينا يقوم على غرض تأمينه على ممارسة حقوقه، هل بعد ذلك تطلب إليه أن يضحي بها جميعا في سبيل المجتمع وان يستسلم إذا دعت الضرورة إلى الكدح المتواصل أو السجن أو النفي باسم إصلاح المجتمع؟ وهل بعد أن بشرته في كل مكان بان غرض الحياة هو الخير والهناءة، هل بعد ذلك تأمن أن ينصرف عن هذا الخير بل وعن الحياة نفسها ليحرر وطنه من الأجنبي أو أن يجهد في إسعاد طبقة لا تربطه بها صلة؟ وكيف بعد أن تحدثت إليه أعواما عن الفوائد والمصالح المادية تستطيع أن تحرم عليه وقد ألفى الثروة والجاه في متناول يديه أن يمد تينك اليدين ليأخذ حظه منهما حتى ولو كان في ذلك ضرر لإخوانه؟
أيها العمال الإيطاليون. ليس ذلك من خواطر فكري المجردة عن حقائق الواقع بل هو تاريخ عصرنا نحن. ذلك التاريخ الذي تسيل على صفحاته دماء الشعب. سلوا جميع الرجال الذين حولوا ثورة سنة ١٨٣٠ إلى مجرد تغيير طائفة من الأشخاص بأخرى. بل وان شئتم مثالا فأنهم اتخذوا من جثث إخوانكم الفرنسيين الذين راحوا ضحية قتال (الثلاثة أيام) مدارج يرتقون عليها إلى عرش العظمة والسلطان. إن جميع مبادئهم إلى ما قبل عام ١٨٣٠ كانت تقوم على تلك النظرية العتيقة نظرية حقوق الإنتاج لا على عقيدة الإيمان بواجباته. إنكم تدعونهم خونة مارقين، ولكنهم في الحقيقة لم يكونوا إلا مصدقين لنظريتهم