فأمنعها سدى وترفض أحياناً حتى أن أساعدها. وأنا أعلم فيم تشق على نفسها كل هذه المشقة وفيم تتكلف كل هذا العناء، فتنفطر مرارتي من الحزن. . .
ثم تعمد إلى نفسها فتفيها حظها من التزيين والتجميل، وترتدي أنظف ثيابها وأجملها في عينيها، وتجلس إلى المرآة تصفف شعرها وتمشطه حتى ترضى عن نفسها. فإذا جاءنا زائر خفت وبشت في وجهه، وقد لحظت أنها ضعفت ثقتها بنا فصرفت عنايتها إلى الزائرين. . . تسعى بين أيديهم وتسائلهم إن كانوا عطاشاً لتأتيهم بالماء، وتقدم إليهم السكر لعل الشاي أقل سكرا مما يشتهون، وما تفتأ تتودد إليهم وتعرض عليهم محاسنها وتباسطهم وتغني لهم وتستميلهم بمرحها ورشاقتها وفكاهتها حتى يأخذونها في الأحضان ويوسعوها ضما وتقبيلا، ويؤدوا لها حقها من المديح والإعجاب. فتتنهد وتنفض إليهم جملة حالها. . . وتنكشف سريرتها فإذا كل هذا اللعب والمراح أشبه برقص الطائر الذبيح. . .
تأخذ بانتقاد عدوها وديع، وتنقص أمامهم منه. وأصل عيوبه ومخازيه عندها أنه بكّاء وقذر. وتشكو إليهم ظلامتها وبثها، وتشكو إليهم أننا مع كل هذا نحبه وندلله ولا نظن عليه بالعطف والإيثار. فتحكمهم بيننا وتطلب إليهم أن ينصفوها منا. فإذا حكموا لها، وهم دائما يفعلون ذلك، نظرت إليّ في عتب ورجاء. وإذا أكدت لها أننا لا نباليه ولا نقيم له وزنا أطرقت في يأس وهزت رأسها الصغير كأنها لا تريد أن تقول لي في صراحة: إنك تكذبين يا ماما!
ولكنها مع كل ما تضمره لوديع من بغض وموجدة لم تحاول يوما أن تؤذيه أو تمسه بسوء، فقد كنت أراقبها إذا اختلت به مخافة أن تمتد إليه يدها البريئة بشر، غير أنها لم تفعل من ذلك شيئاً، وإنما كانت تكتفي بأن تحدجه بنظرات ساخطة حزينة ثم تنصرف عنه.
وكانت لنا جارة صديقة لم ترزق ولداً، اسمها ماري، تصلنا بها قرابة بعيدة ومودة وثيقة. وكانت مشغوفة بحب اليزا حتى ما تكاد تنقطع عن زيارتنا وقضاء شطر من نهارها عندنا قرب حبيبتها إيلين كما كان يحلو لها أن تسميها، فقالت لها مرة:
انظري يا أختي ماري! أنهم لا يزالون يحبون هذا النجس وديعا، وقد رأيت ماما تقبله أمس! وهي تسهر الليالي عليه وتخف إليه كلما بكى لترضعه وتهز أرجوحته المنتنة! أنا أكنس البيت كل يوم وأطوي ثياب بابا وأعين ماما. . . ونظيفة وجميلة! وهذا المجنون