فلاطفتها ماري وأكدت لها أنها واهمة، وأننا نحبها ونؤثرها ولا نقيس بها إنسانا. فقالت: لا يا أختي، أنهم يخدعونني ويكذبون عليّ. . . لو كنت مكانهم لأطعمته الكلاب أو أعطيته الشحاذين القذرين مثله.
فقالت لها ماري: اطمئني يا أختي إيلين. سنخلصك منه قريبا، أنه قبيح بكاء لا خير فيه.
وأسرت إلى ماري بعد ذلك أنها ستأخذ وديعاً عندها طيلة نهار الغد. ثم تزعم لإيلين أن كلب ماري، وكان لها كلب عظيم الحلقة، قد افترسه وأراحها منه لترى ما عساها تصنع أو تقول. وأخذته في اليوم التالي خلسة إلى دارها، فدهشت إيلو في ذلك النهار لم ترى وديعا ولم تسمع له نأمة. ومضت إلى فراشه مرات عدة فلم تجده. فراحت تطوف البيت وتتحرى الغرف صامتة متلصصة لترى ماذا حل به فلم تفز بطائل. فإذا فرغت من التفتيش عادت إليّ تدور حولي وتطيل النظر في وجهي لعلها تقرأ في أساريره ما يجلو لها الخبر اليقين. . . فلما ضاقت ذرعا بالصمت والكتمان، سألتني:
- ماما. . . أين وديع؟ فقلت لها:
- وديع القذر؟ ماذا تريدين منه يا إيلا؟. . . فقالت:
- أين هو؟ أنه ليس في البيت! فأجبتها:
- مسكين! لقد أكله كلب ماري.
- صحيح يا ماما؟ هل أكله كله؟!
- نعم. التهمه عن آخره!
فتورد خداها وبرقت عيناها، وصاحت:
- فلأقبلنك إذن! وألقت نفسها في حضني تغمر وجهي بقبلاتها، وأخذت تضمني بشدة غريبة وهي تدس رأسها في صدري كأنها تريد أن تدخل في أضلاعي. فسالت دموعي على هذه الصغيرة المعذبة اللعوب. وخشيت وخامة العاقبة متى اطلعت على جلية الأمر، فلم أك أقدر أن يصيبها كل هذا الفرح الجنوني البريء.
ثم تركتني وهرعت إلى الأرجوحة لناجذ منها الفراش، وبذلت جهدا عنيفا حتى أخرجته فأمسكت من أحد أطرافه كأنها تحاذر أن تتنجس يدها منه، وراحت تجره وراءها في