صحن الدار. وصادف دخول أبيها في تلك اللحظة فأخذها بين ذراعيه وسألها ما تصنعين يا ايلي؟ فقالت له:
- بابا، لست تدري! إن كلب ماري قد أكل وديعا كله، ولم يترك منه ذرة واحدة! فلنرم فراشه في الطريق، وأرجوحته أيضاً وثيابه. كلها قذرة ورديئة.
وما كادت تفلت من بين يديه وتأخذ بالفراش من جديد حتى دخلت علينا ماري وعلى ذراعها وديع وهي تقول:
- أنه بكّاء مزعج حقاً فخلصوني منه!
ولا تسل عما أصاب إيلو. فقد بهتت ووجمت، واصفر وجهها، وافلت طرف الفراش من يدها. ولم تعد تقوى على الوقوف فقعدت من فورها على الأرض مستندة إلى الجدار. ثم انتبذت ناحية منزوية من تلك الغرفة (وأشارت بيدها إلى الغرفة التي عنتها) في ذلك الركن. وطفقت تبكي بكاءاً متصلا أبكانا نحن الكبار، إذ لم يستطع كل بغضها لوديع أن يسيل لها دمعة من قبل، ولم تعودنا يوما وهي الطروب اللعوب أن نراها تبكي أو تشكو من شيء، فقد كانت أبدا كما قلت لك لاعبة ضاحكة! لسن نشيطة خفيفة الظل والحركة - تكظم الغيظ وتداري أحزان قلبها الغض باللعب والمزاح. ولكنها شعرت هذه المرة أنها أهينت في صميم كبريائها. وقد قالت لنا ونحن نحاول عبثا أن نسترضيها ونمنيها الوعود: إنكم لم تعودوا تحبون إيلو. . . تزدرونها وتضحكون عليها.
وظلت تبكي بلا انقطاع رغم ما بذلنا من جهود، وظل جسدها يضطرب ويهتز بين أيدينا من الانتحاب والشهيق كالسعفة تعبث بها ريح هوجاء.
ولم تذق عشاء تلك الليلة، ولا أحسبها نامت فقد كانت تتململ في فراشها تململ السليم، فإذا ناديتها أو دنوت منها أغمضت جفنيها وتناومت. . . ولم تنهض على عادتها باكرة في الصباح، ولم أشأ أن أوقضها حتى علا النهار، فقامت مثاقلة مسترخية محمرة العينين منتفخة الأجفان من السهر والبكاء، ولم تعن بالبيت أو تلق بالا إلى نظامه أو نظافته، ولا جفلت زينتها، أو مرآتها، ولا غيرت ثوبا أو مشطت شعرا، ولا رحبت بزائر ولا صديق. وخلا المنزل من لعبها وقفزها وأوحش منذ ذلك اليوم. وكان كل ما تفعله أن تقابلني وتجلس أمامي في المطبخ أو في الصحن أو في الغرفة، خافضة الرأس ساكنة الأطراف