للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حضارة زاهية فأجابته وأجابها، وأخذت منه وأخذ منها. . . أقل في العجب من تفسير عبقريته بأنها عبقرية يونانية على اعتبار أنها موروثة عن آبائه اليونان. إذ من هم آباؤه اليونان؟ لا ندري أهم من إغريق الجزر، أم من إغريق البلاد المعروفة باسم اليونان، أم من إغريق آسيا الصغرى التي كانت تدور الحرب فيها وحولها بين المسلمين ودولة الروم. ومن الصعب الذي يحتاج إلى التفسير أن نقول إن هؤلاء الإغريق جميعا سليقة واحدة وأمة واحدة وعنصر واحد ينحدر منه الرجل وينتقل إلى بيئة أخرى وينجب الأبناء في بيئته الجديدة فيجتمع فيهم كل ما تفرق من خصائص العبقرية الفنية التي تسمى الآن بالعبقرية اليونانية. ثم نحن لا نعلم أن الإغريق في قديم عهدهم كانوا عنصرا واحدا ينتمي إلى سلالة واحدة، لأن امتزاج الأنساب بينهم وبين الأسيويين ثابت لا شك فيه، لأن امتزاج الأنساب بينهم وبين الأسيويين ثابت لا شك فيه، واقتباسهم من عقائد الأسيويين وفنونهم ولغاتهم ثابت كذلك أقطع ثبوت. . . ولا يمكن أن نجزم برأي في وراثة الفطرة الفنية ولا سيما الفطرة في الشعب كله حتى لو عرفنا الأصل الذي تحدر منه ابن الرومي بين أصول اليونان الكثيرة. فقد كان في بلاد اليونان نفسها ألوف من أبناء الشعب اليوناني المحاطين بالبيئة اليونانية في جميع ظواهرها وبواطنها، فلم ينبغ منهم في عصر ابن الرومي شاعر مثله ولا نبغ منهم في العصور السابقة التي أزهرت فيها آدابهم وفنونهم شاعر من طرازه في جميع خصائصه وملكاته. فلو أننا نقلنا ابن الرومي من الأدب العربي إلى الأدب اليوناني لكان فذا في أدبهم كما كان فذا في أدبنا. . . ولو أننا بحثنا مزية أصيلة في الفطرة اليونانية تنتقل مع الدم وتسرى في خلال التكوين لأعيانا أولا أن نحصر هذه الفطرة، ثم أعيانا بعد ذلك أن نحصر هذه المزية. فنحن لا نفسر عبقرية الشاعر حين نسميها بالعبقرية اليونانية، ولكننا نصفها في كلمات موجزة وصفا يقربها إلى الأذهان، ويطبعها بهذا الطابع المعروف عند المطلعين على الآداب. . .)

فالعبقرية اليونانية التي نطلقها على ابن الرومي هي إذن صفة أدبية فنية لم نجزم بموقعها من الوراثة العرقية، ولا أهملنا الإشارة إلى هذه الوراثة لأنها مما لا يجوز إهماله، فكيف قولنا الفروخ ذلك الكلام في تلك الصفحات وهذا ما قلناه في تلك الصفحات؟

هذا ما قلناه في كتاب قرأه الألوف ولم نقله في كلمة شفوية أو مقال غير معروف، وهكذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>