للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السياسي العجيب!

ولكن ما هذا؟

أهذه محطة القاهرة؟ أم ذلك يوم الحشر الأكبر؟ ما بال الناس هكذا يتدافعون بالمناكب، ولا يعرف حميم حميما؟ أهذا قطار؟ أم حمام الثلاثاء! وإن كنت لا أعرف حمام الثلاثاء. ولعل الدكتور زكي مبارك يعرفه فله قصيدة عن ليلة الثلاثاء. لا بد أنها كتبت هناك!

فلنزاحم، على شدة ما أكره الزحام!

الحمد لله! لقد وجدت مكانا. . . مكانا للحقيبة في (طرقة) العربة. في الممر. . . وهل ذلك شيء هين؟ إن السعيد من يجد لحقيبته مكانا في هذا الممر. إنه بعد أن يهدأ القطار ويروق، وينزل المودعون الذين يكظون الفراغ كظاً، يستطيع أن يتخذ من حقيبته مقعداً، بينما الآخرون يقفون طول الطريق خفافًا أو ثقالا يحملون بعض متاعهم، ما لم يريحوه على أقدام المسافرين!!!

وجلست بعد فترة ووقف الآخرون. وسار القطار. . وفي الزحام الشديد وقعت عيناي على سيدة شابة جميلة واقفة تحمل شيئا، شيئا أثمن من كل ما يحمل المسافرون. . . تحمل جنينا!

وبمقدار ما يثير في نفسي منظر الشابة الحامل من الأسى، يثير في نفسي كذلك الاحترام والإشفاق.

فأما الأسى، فعلى ذلك الجمال الضائع. كلما تخيلت هذه الشابة في رشاقتها الفاتنة، ثم في هذه الكظة التي عير بها ابن الرومي - سامحه الله - إحدى المغنيات! إنه أسى يكمد نفسي ويؤذيها بقدر ما ترتفع في هذه الشابة درجة الجمال!.

وأما الاحترام والإشفاق فلهه التضحية النبيلة التي تبذلها الفتاة للحياة - أرادت أم لم ترد. وشعرت أم لم تشعر - التضحية بالجمال - أعز شيء في هذه الحياة - وبالراحة، وبالذاتية كلها في النهاية التضحية إلى حد الفناء!

أقول وقعت عيناي على هذه السيدة الشابة الجميلة تحمل كنزها وكنز الحياة في حرص وإشفاق. وتحركت في نفسي كل هذه المعاني، فوقفت متنازلا عن مقعدي الخاص - على ما برجلي من ألم وما بأعصابي من تعب - لهذه السيدة المضحية. . . فجلست شاكرة. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>