لا يحجبه ظل، ولا تخفيه ظلمة.
فلقد كان هذا القاع اللطيف ساطعا، لا تمر بسمائه سحابة. مضيئا في كل نفس، حبيبا إلى كل قلب!
وخطاها الحائرة المترددة، كانت تسترسل هائمة أو تعدو راكضة، كأنها موج مستبد، هدهده النهار واستخف به،
وصوتها الرنان العذب، كان صدىً صافياً وترجيعاً نقياً لنفسها الوليدة، وطالما كان موسيقى حلوة لتلك النفس التي يغنى فيها كل شئ
فيشرح الصدر، ويهيج النفس، حتى يصعد إلى طبقات الأثير حيث يذوب ويتلاشى.
ولكن ليت شعري! لم أحمل نفسي على استذكار هذى الذكريات الغابرة؟ فلندع الهواء يحف، والنسيم يرف، والموج يصطخب،
وتعالي هنا أيتها الخواطر المضطربة، والعواطف الملتهبة!
عودي إلى قليلا. لعلي أرغب في التأمل والعزاء، ولا أجهش في الحزن والبكاء!
كما ينطبع نور الصباح على العين، كذلك انطبعت صورتي في قلبها؛
ولكناه لم ترن بعينها أبداً ذاك اليوم.
وفي الساعة التي أحبت فيها، رأت العالم كله فيضا من الحب والحساسة! ولقد امتزجت معها في حياتها الخاصة، وتطلعت من نفسها إلى ذلك الذي استفله الطرب، فأخذ يمر أمام عينيها،
وإلى تلك السعادة الزائلة، والأمل المقيم في السماوات العلى!
لم تفكر قط في مرور الزمن، أو ضياع الوقت،
فساعة واحدة كانت تشتف وجودها، وتضيق بها ذرعا،
وحياتها قبل أن يجمعني الدهر بها، لا تحتاج إلى ذكرى.
إن مساء أحد تلك الأيام الجميلة كل حظي من الدنيا ونصيبي من الحياة!
لشد ما كانت تركن إلى الطبيعة الضاحكة، إذ تبسم الينا، وتفتر عن ثغرها الضحوك أمام ناظرنا،
ولشد ما كانت تسكن إلى الصلاة الهادئة، والدعاء البريء، وما أكثر ما كانت تأخذ طريقها