إلى المذبح المقدس، حيث تنثر فوقه الأزهار الفواحة بالارج، وقلبها يطير فرحا، عكس ما يكون باكيا متقبضا؛ إذ تجتذبني لألحق بها إلى هيكلها، فأقفو أثرها، كأنني غلام وضيع، أو طفل مطيع، وصوتها الخافت يناديني ويقول:
(لنصل معا يا أخي، فإنني لا أفهم للصلاة معنى بدونك! ولا أستطيع أن أخبت لك إذا لم تكن حاضرا بقربي!)
ولكن ليت شعري؟ لم أحمل نفسي على استذكار تلك الذكريات الغابرة. فلندع الهواء يحف. . . الخ!
هلا نظرتم يا صحابتي إلى الماء النمير، يتدفق في حوضه. كأنه ينبوع لا يفور؟ هلا أبصرتموه وقد عقد نطاقاً مستديراً، كما تفعل البحيرة بشاطئها الضيق الصغير؟ هلا نظرتم إلى زرقته الصافية، وهو ذمة الهواء الساري وفي كنف الشعاع الملتهب، الذي جفف ماءه، وأضوى معينه؟ وإذ ذاك يقذف الإوز بنفسه في جوفه، ليعوم فوق أديمه الرجراج، وهو يغمس عنقه بين ثناياه المتموجة؛ فيزين تلك المرآة السائلة، دون أ، يكدرها، أو يمسها بسوء ويهدهد نفسه وسط الماء، الذي يعكس النجوم المتألقة في كبد السماء.
ثم يضرب الماء المصطفق بجناحيه المبللتين، ليأخذ سمته، مسفا نحو نبع آخر، فيمحو بطيرانه صفحة السماء المنعكسة، في جوف الماء الصقيل؛ وتسقط منه ريشة، تكدر صفاءه، وتنزع عنه رواءه، كأن نسرا كاسرا، وهو عدو جنسه الألد، قد بعثر رفاته الممزقة، ورمى بها إلى كل موجة، فذهبت بها أباديد،
وإذا باللازورد الساطع، للبحيرة المرحة، يغدو موجة قاتمة، تصعد فوقها الرمال الميثاء! وأنا شبيه بذلك الطائر يا صحابتي!
ولقد ذوى كل ما في نفسها، عندما بعدت عنها وشط بي النوى، فخبا ذلك الشعاع المضيء في نفسها، وصعدت جذوتها الهامدة الأخيرة سريعة نحو السماء، كيما تعود أبدا بعد ذلك!
لم يكن في أملها ولا في مرجوها أن تنتظر ثانية أملا يعدها، ولم تكن لتذوى أملها بالريب، أو لتطغى على ألمها بالحياة
لقد تجرعت كأس الألم دهاقا فغرق قلبها بأول دمعة حرى سقطت من عينها!
ما أشبهها بذلك العصفور الصغير! إنهما ليتفقان في الدعة والهناء، وان قل عنها ذاك في