للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأشار إلى الفرس الذكر الذي تحت غلامه: (أهكذا)

فقال - برأسه -: (نعم)

قال: (فوجهت بغلامي هذا الراكب - ذات يوم - في بعض حاجاتي، فحسبته أمي عندها. فأغفى. فرأى في منامه كأنها صاحت صيحة، فإذا هي بجرذ قد خرج.

فقالت: (اسجد) فسجد

ثم قالت: (اكرب (أي: اقلب الأرض للحرث).) فكرب.

ثم قالت: (أدرس) فدرس.

ثم دعت برحى فطحنت قدح سويق - (والسويق كما تعلمون: هو الناعم من دقيق الحنطة والشعير). فأنت به الغلام، وقالت له ائت به مولاك فاتاني به.

فاحتلت عليها حتى سقيتهما القدح، فإذا هي فرس أنثى، وإذا هو ذكر قال (أكذلك)

قالت الفرس الأنثى - برأسها -: (نعم)

وقال الفرس الذكر - برأسه -: (نعم)

فقالوا: (إن هذا اعجب شيء سمعناه أنت شريكنا.) فاجمع رأيهم فاعتقوا (خرافة).

٣ - بعد موت خرافة:

وهكذا اصبح كل حديث طريف تسترعي الأسماع غرابته، وتبهج النفوس براعته، ينسب إلى (خرافة) حتى يومنا هذا، وأصبحت كلمة (خرافة) مرادفه لكل حديث خيالي لا حقيقة له. وكاد ينسى الناس (خرافة) علم على شخص بعينه، عرف الناس وعرفوه، والفهم وألفوه.

ثم مضى القرن الاول، ومضى معه (خرافة) ومعاصروه، وانطوى بانطوائه بارع حدث (أي: حسن الحديث)، لم تبق لنا - من روائعه المستفيضة - إلا سطور، كأنما بقيت على الدهر، وغالبت احداثه، لتشعرنا بمقدار ما منى به تاريخ القصص العربي من خسارة، بفقدان أمثال هذه الكنوز الفكرية التي لا تعوض.

٤ - جحا العربي:

ثم جاء القرن الثاني، ومعه هدية من أنفس الهدايا الفنية التي يعتز بها عالم الفكاهة والمرح،

<<  <  ج:
ص:  >  >>