ولا داعي لطلاق، فانه متى وجد الحب فلا مكان لشهوة، كما أنه إذا سيطرت الحكمة، فلا داعي لقانون. . .
ويتشكك ملتن في مقدرة القانون على أن يمنع الشر منعا تاما، فما لم يسد العقل فلا فائدة ترجى من القانون، وإنما يضيق القانون نطاق الشر نوعا ما ويخفف ضراوته.
وتعظم جرأة ملتن إذ يتعرض للكتاب المقدس، والى أي مدى يؤخذ بأحكامه فعنده أنه يجب ألا نأخذ بحرفية ما جاء فيه، لأنه كثيرا ما حسب مقتضيات الظروف والأزمان، وتطرق إلى نصوصه الفساد؛ وكان لا بد أن يذهب ملتن هذا المذهب، وإلا فكيف كان يتخلص من قول كهذا ينسبه الإنجيل للمسيح:(أن يقطع الصلة بينه وبين زوجته لسبب غير الخيانة ثم يتزوج غيرها، فإنما يقترف خطيئة الزنا)
ويختتم ملتن كتيبه خاتمة هذا شاكية صاخبة، فقد ساءه لقاء أهل عصره إياه، وعلى الأخص البرسبتيرينز، وهم من البيوريتانز الذين طالما وصل حبالهم بحباله، وعلق في الإصلاح عليهم كثيرا من أماله. . .
ونشر ملتن في نفس الشهر الذي نشر فيه كتيبه السالف كتيبا أخر سماه (كولاستيريون) وقد جعله للهجوم، أو الأصح لمدافعة تهجم بمثله، واتخذ شعاره فيه قوله:(أحب الأحمق بما يشاكل حماقته، وإلا صدق أنه فيما يتخيل من خيال)
وعاد ملتن إلى سهامه، وإنها ليريشها الحنق واليأس من عقلية مخالفيه، فرمى أحدهم بأنه من غير المتعلمين، وأنه أقل من أن يعرف الإغريقية أو العبرية، وأنه خنزير لم يقرأ شيئا من الفلسفة، وأنه جاء بآرائه عن الغاية من الزواج من حظيرة خنازير، وأنه أحمق ما جن يحاول أن يحملنا على الضحك بلغوه، وأنه حمار بلغ أقصى حماريته، فما يبالي بشيء. . . إلى غير مما لا يقل عنه سوءا أو هجرا. . .!
ولم يخرج ملتن من وراء صيحاته هذه بطائل، فلا أجابه البرلمان إلى ما طلب، ولا تركه البرسبتيرينز يدعو دعوته دون أن ينعتوه ويحرجوه من زمرتهم، وهكذا بقي موضوع طلاقه مارى بوول رغبة فحسب، لم تجد سندا من قانون ولا عرف؛ ولقد هدد ملتن بالخروج على القانون في كتيبه (تتراكوردون) بقوله: (إذا لم يتح أي القانون ما أريد، فعلى القانون - كما يقضى العقل - أن يتحمل لي وزر ما يترتب على رفضه من عواقب!)