وماذا عسى أن يكون ذلك السبب؟ أهو كما يقرر ابن أخته قلق أهلها وقلقها مما نما إليهم من نبأ اعتزامه. الزواج بغيرها؟ أم هو أفول نجم الملك بعد هزيمة جيشه في معركة نسبي سنة ١٦٤٥ على يد المستقلين من أنصار كرمول مما يهيئ لرجل مثل ملتن نفوذا وجاها بحيث تطلب الحماية عنده؟ أم يرجع ذلك إلى عسر أل بوول وقد أشرف على العدم مالهم؟ ذلك كله كان خليقا أن يجنح بأهل ماري إلى طلب الصلح!
ولم يعدم آل بوول أصدقاء يوطئون السبيل لهذا الصلح، ولا عدم ملتن كذلك أصحابا أسفوا لما آل إليه حاله أخذتهم به رأفة شديدة!
وكانت ثمة قصة طريفة، فقد أحضر بعض الصحاب من الجانبين ماري إلى منزل لأحدهم تعود ملتن أن يغشاه، وخبئوها في حجرة حتى قدم فدخل حجرة مجاورة، ولم يلبث إلا قليلا حتى دخلت عليه زوجته فألقت نفسها على قدميه باكية تسأله الصفح والمغفرة، وهو لا يكاد يصدق عينيه من الدهشة ولا يدري من فرط حيرته ماذا يقول. . .!
وتوسلت إليه ماري متهمة أمها بما حدث، ملقية كل تبعة عليها، وكانت تتكلم كما لو تكلمت طفلة تبرئ نفسها مما نسب اليها، والدموع تتساتل من عينيها على خديها قد ألهبتهما حمرة الخجل، وفي جسدها كله رجفة شديدة رق لها قلب الشاعر؛ ولبث برهة ينظر إلى زوجته تستغفره وتتوب إليه في ضراعة ومسكنة، كما لو كانت تكفر عن خطيئة، وفي وجهها سذاجة لا أثر للتكلف فيها، فهي لم تزل من عمرها بعد في التاسعة عشرة. . .
وأبت عليه أريحيته إلا أن يصفح عنها وعن أهلها، فما تميل نفس كنفسه إلى التشفي من قوم حطهم الدهر من عل، وأذلتهم الأيام بعد عزة كما تأبى على الفارس فروسيته أن يضرب خصما له هوى أو كبابه فرسه؛ ولم يقتصر على الصفح كرمه ونبل عاطفته، بل لقد أوى أل بوول في بيته جميعا ومن بينهم أم زوجته التي ألقت بنتها على كاهلها كل تبعة؛ وأسدى إليهم بذلك صنيعا لا ينسى، فقد سقطت فورست هلي في يد أنصار البرلمان، وطورد أنصار الملك ومنهم أل بوول فضلا عما حاق بهؤلاء من فاقة شديدة. . .!
ولم يكن صفحة دليلا على نبله فحسب، بل إن فيه شاهدا كذلك على شجاعته الأدبية، فقد كان خليقا أن يسخر منه الناس بعد أن أذاع فيهم من آرائه ما أذاع، وبعد أن ادعى إنقاذ البشر جميعا بما كتب، وبعد أن اتبعه فريق من المعجبين به المتحمسين له، ولكنه وقد تعود