للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأذن المغرب، وقعد الشيخ ونساؤه على كسيرات وتمرات التقطها لهم. . . وقعد الناس من حولهم على الموائد الحافلات بشهي الطعام، تفوح من بيوتهم روائح الشواء والحلواء يأكلونها ويستمتعون بها، وينسون أن رمضان شهر الإنسانية والإيثار، وان الله ما فرض علينا الصيام للجوع والعطش والعذاب. . . ولكن ليذكرنا هذا الجوع الاختياري الموقوت أن في الدنيا من يجوع جوعاً إجبارياً لا حد له ينتهي عنده، وليكون لنا من أعصابنا وجوارحنا مذكر بالإحسان. فمن يقعد إلى مائدته الحافلة بالطعام، وجاره يتلوى من الجوع، لا يفكر فيه ولا يشاركه طعامه فما صام ولا عرف الصيام، وان جاع نهاره كله وعطش. . .

إن العادة تضعف الحس، وان ألف النعم يذهب لذتها، فأوجب الله الصيام علينا لنذوق مرارة الفقر فنعرف حلاوة الوجدان، ولنشتهي في النهار اللقمة من الخبز الطري، والجرعة من الماء البارد، فنعلم أن هذه اللقمة الطرية وهذه الجرعة الباردة نعمة من النعم فلا ندع الإحسان مهما كان قليلاً، ولا نزهد في صدقة نقدر عليها. ولقد كان لإبراهيم الحربي رغيف كل يوم ليس له سواه، فكان يترك منه كل يوم لقمة حتى إذا كان يوم الجمعة أكل هذه اللقم وتصدق بالرغيف. . .

كان الشيخ يفكر في هذا، فيألم لما صارت إليه حال المسلمين، ثم يذكر أن الله هو ملهم الخير، ومصرف الأرزاق، فيحمده حمد رجل مؤمن راض. . . وأمضى ليلته الرابعة بلا طعام، لأنه ترك التمرات والكسيرات للعجوز والبنات يتبلغن بها. . .

قال الطبري: (فلما كان من الغد سمعت الخرساني يقول: معاشر الحاج ووفد الله من حاضر وباد، من وجد همياناً فيه ألف دينار ورده أضعف الله له الثواب. فقام الشيخ إليه، فقال: يا خرساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك، وبلدنا والله فقير قليل الزرع والضرع، وقد قلت لك أن تدفع إلى واجده مائة دينار فلعله يقع في يد رجل مؤمن يخاف الله عز وجل، فامتنعت فاجعل له عشرة دنانير منها فيرده عليك ويكون له في العشرة ستر وصيانة.

فقال له الخراساني: يابا. لا نفعل ولكن نحيله على الله عز وجل. ثم افترقا.

فلما كان اليوم الذي بعده سمعت الخراساني ينادي ذلك النداء بعينه، فقام إليه الشيخ. فقال، يا خراساني: قلت لك أول أمس العشر منه، وقلت لك أمس عشر العشر عشرة دنانير فلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>