وأ ليست هذه الحياة التي وصفنا على هذا الفرض هي الحياة التي تحياها الأمم وتشقى بها كل أمة وتدمر كل حضارة؟! فإذا أردنا أن نفر منها، فلماذا لا نؤمن بفلسفة تناقضها وتحاربها؟! وهل هذه الفلسفة إلا أن ٠نؤمن بالإنسانية الواحدة). وأنها مخلوقة لغايات عليا ليست هذا النزاع على الذهب الأصفر والذهب الأسود والفحم الأسود والفحم الأبيض) وإنما هي البحث عن كلمات الله في الطبيعة بحث طالب (العلم) لا طالب (الفائدة) المادية وحدها؟.
وأ ليست هذه الغاية لو تحققت جديرة بأن تشعر الناس جميعاً انهم نوع واحد غريب الوضع في هذا الكون! لأنه وحده يفتح أبواب الطبيعة باباً فبابا، ويتدرج في تسخير قواها درجة درجة حتى وضع يده في منابعها، وحطم أسوار (الذرة) التي هي وحدة بناء الكون المادي.
ذلك هو (الوضع الأصيل) للإنسانية الذي يجب أن يرصدها منه الراصدون ليعلموا أي كائن هذا الإنسان الذي يحملونه في أجسادهم ويبادلونه ما صح وما فسد من شأنه وشئونهم!
آما أن يرصده راصد في (ولد عاق)، أو (وحش الإسكندرية) أو سفاح باريس (الأخير أو غير أولئك من الثمرات الإنسانية المعطوبة الملوثة التي سقطت وتلوثت لضعف روابطها بفروع الشجرة الإنسانية، ثم يحكم عليه كله لذلك، فتلك نظرة جزئية لا تليق بمن يجعل عقله ميزان حكم على الكون ومرآة رصد لأعاجيبه التي لا تنفد في حرب الخير والشر، وعراك الصلاح والفساد، وصراع الموت والحياة، وقذف الحق على الباطل!
وأني اسأل أخي الطنطاوي: لماذا يفقد ثقته وإيمانه بالإنسانية لأجل مثل من العقوق يقابله أمثال من البر بالآباء؟ هل جميع الأبناء مثل هذا الابن العاق؟ ولماذا تألم قلبك من هذا المثل الشرير؟ أليس لأن قلبك ينكره؟ إذاً ففي قلوب الناس نوع خير ينكر الشر ويضربه مثلاً، وبكتبه قصة يشنع بها ويسمع بصاحبها، ويجد في قلوب الناس صدى لألم قلبه، لأن (البر لا يبلى). وما دام في الإنسانية خير وشر فلم نيأس منها ونزرى بقضيتها؟ لماذا نحرق الحقل كله لنتخلص من الزوان؟!
إن الأولى بنا أن نعتقد إن الإنسانية كحقل من النبات، الأصل فيه إن ينبت أكثره نباتا حسناً، ويؤتى أكله وثمره إذا تعهدناه بالسقي والرعاية والحراسة من الآفات والحشرات التي