والاجتهاد واتساع الآفاق والصبر والأمانة العلمية، حتى يصلوا إلى ذلك الموقف الذي وقف فيه زميلهم - صاحب الرسالة - ذلك الموقف الذي يدل على حب البحث العلمي والتفاني فيه، والذي يفتح الأبواب أمام منهومي العلم الذين لا يشبعون. وتمنى سعادته للأزهريين مستقبلا باهرا ماداموا يوسعون ميادين بحوثهم وآفاق ثقافاتهم، بحيث يتلقى بهم ويتبادل الفائدة معهم من يسعدهم الحظ، ومن لم تتح لهم الظروف أن يتثقفوا بثقافة الأزهر.
ثم قرر سعادته:(أننا في عصر تعاون وتفاهم وتقارب بين الفلسفات، بل وبين الأديان نفسها، وأن هذا التواصل والتعاون هما اللذان يسيران بالإنسانية إلى وحدتها المنشودة وغايتها المرجوة، وآية ذلك مشاهد الليلة من جو مشبع بروح التسامح والنهوض الفكري). وأشار سعادة الرئيس إلى أن هذه أول مرة يرى أو يسمع فيها أن في الأزهر غربيين وقساوسة ورهبانا:(وهذا يذكرنا بروح التسامح الذي كان متسما به، والذي كان صدر الأزهر دائما منفسحا له). وأن هذه أول مرة أيضا سمع فيها سعادته أو رأى آنسات يحضرن مجالس في الأزهر وتخصص لهن أماكن فيه.) وهذا يدل على درجة عالية في النضوج الفكري والمستوى العلمي المفروض طلبة على كل مسلم ومسلمة، ويبين في وضوح أن الأزهر أخذ يقدر ما هو مطلوب منه بازاء المسلمات بجانب ما هو مطلوب منه بازاء المسلمين، وأن هذا كله جو مبشر يدعو إلى التفاؤل بمستقبل الأزهر، الذي كان قد انعزل مدة طويلة حتى عن العلماء المدنيين).
ثم قال سعادته:(أما وقد لبى الأزهر حاجة العصر، وساير روح الزمن، فساهم في الوحدة العالمية، واتصل بالعلوم التي تكونت في ميادين أخرى بروح التسامح الديني، والتآزر الفلسفي، والتآخي العلمي، فإنه سيصل - قريبا - قديمه بحديثه، ويصبح منبع ثروة كبيرة في التوجهات الفكرية والعلمية والدينية للعالم كله، وهذا مأمول، وهو في رعاية شيخ درس الفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية وأفاد مما فيهما من خير مذكور. ونصيحتي العامة لكل شخص: أن يعمل للخير الذي وضعه الله في فطرة الإنسان السلمية، تلك الفطرة التي تتمثل في الأديان جميعا: خيرا، ومحبة، وإخاء، وعدلا. . . حتى يكون هناك التفاهم الفكري والتفاهم الروحي، وحتى تسير الإنسانية إلى خير ما خلقت له.)
ولعمري! لم أكن لأنتظر في هذه القاعة هذا الوضوح في رسم الهدف، وهذه العزيمة في