شخصه، والطواف مع جعفر ابن يحيى في الأسواق وبين الأحياء، ليتسقط الأخبار، ويعرف ما يدور بين الناس من الأحاديث ويستطلع ما لا يصل إليه خبره.
ولم يقنع بأسرار رعيته، بل وكل عيوناً على ولديه. فكان مسرور الخادم رقيب المأمون، وكان جبرائيل بن بختيشوع رقيب الأمين.
وعلى نحو هذا كان المأمون في أيامه. ذكر أبو الفرج أنه لما تولى الخلافة وأتى بغداد، كان يتجسس على إبراهيم بن المهدي فألزمه رجلا ينقل إليه كل ما يسمعه من لفظه جداً أو هزلا.
ويسوق الجاحظ دليلا على تتبع المأمون أسرار رعيته رسالته إلى إسحق بن إبراهيم في الفقهاء وأصحاب الحديث وهو بالشام، التي خبر فيها عن عيب واحد واحد، وعن حالته وأموره التي خفيت، أو أكثرها، عن القريب والبعيد.
وقد ذكر صاحب محاضرات الأوائل أنه كان للمأمون ألف عجوز وسبعماية، يتفقد بهن أحوال الناس من الأشقياء ومن يحبه ويبغيه، ومن يفسد حرم المسلمين. وكان لا يجلس إلى دار الخلافة حتى تأتيه أخبارهن وأنه كان يدور ليلا ونهاراً مستتراً.
وقد يكون هذا الخبر صحيحاً فيما يتعلق بإرسال العجائز، أما عددهن وأنه كان لا يجلس إلى دار الخلافة حتى تأتيه أخبارهن ففيه مبالغة.
وكان المأمون يعنى بمعرفة أحوال عماله. فكان يفحص عنهم، وعن دفين أسرار حكامه فحصاً شافياً؛ فلا يخفى عليه ما يفيد كل امرئ وما ينفق، وكان من نأى عنه كمن دنا منه، في بحثه وتنقيره، وكان يتتبع أحوال القضاة والولاة والجند. فذكروا أنه سأل يوماً جماعة: من أنبل من تعلمون نبلا وأعفهم عفة؟ فذكر كل من يراه. فقال: لا، ذاك عبد الله بن طاهر دخل مصر كالعروس الكاملة: فيها خراجها، وبها أموالها جمة ثم خرج عنها، فلو شاء أن يخرج عنها بعشرة آلاف دينار لفعل؛ وقد كان لي عليه عين ترعاه، فكتب إلي أنه عرضت عليه أموال لو عرضت علي لشرهت إليها نفسي، ولقد خرج عن ذلك البلد وهو بالصفة التي قدمه فيها، إلا مائة ثوب وحمارين وأربعة أفراس.
وحدث بشر بن الوليد قال: كنت عند المأمون، فقال: ولينا رجلا قضاء الأبلة، وأجرينا عليه في الشهر ألف درهم، وما له صناعة ولا تجارة ولا مال قبل ولا بيتاً ابتناه، وولينا رجلا