- (حسناً يا ميشيل. . . إن لم تكن في نفسك ترغبة إلى أن تحدثنا عن نفسك، فهذا من شئونك. . . غير أنه يجب أن تتكسب رزقك، فإن عملت بما سأشير عليك به.! فسوف تجد عندي طعاماً طيباً، ومأوى حسناً. . .)
- (جزيت خيراً. . . وإني لمطيع لما تقول!. . .)
- (إن ذلك غاية في البساطة. . . فانظر إلي.) ثم أمسك (سيمون) بخيط، ولفه حول إبهامه وراح يجدله في براعة. . . فراقبه (ميشيل) ثم أخذ قطعة من الخيط وثناها على إبهامه وانفك يجدلها كما فعل سيمون وفي براعته وإجادته، وعلمه سيمون كيف يشمع الخيط ويقطع الجلد ثم يخيطه. . . فبرع (ميشيل) في كل ذلك. . . حتى أصبح ماهر البنان كأنه مارس تلك الحرفة طيلة حياته. . .
كان لا يبرح يعمل ويعمل دون توقف، ولا يطعم غير القليل، حتى إذا ما انتهى من عمله، جلس صامتاً يحدق في سماء الغرفة وفي عينيه ذلك الرجاء وذلك التوسل. . . ولم يكن يخرج إلى الطريق، بل يظل حبيس الدار، رهين العمل، لا ينطق إلا بكلمات قلائل يضطر إليها. . . وما ضحك يوماً، وما ارتفع لسانه بفكاهة. . . ولم ترتسم على وجهه ابتسامة أبداً، إلا تلك التي أضاءت على جبينه يوم أن قدمت إليه (مترونا) العشاء. . .!
وتتابعت الأيام وتعاقبت الشهور. . . وميشيل يعيش ويعمل جهده مع (سيمون). . . وجرى اسمه على كل لسان، وطبقت شهرته في كل مكان. . . حتى طفق الناس يأتونه من كل صوب وفج يعاملونه. . . حتى ازدهر حاله. وزال عنه بؤس الحياة وعسرها.
كان (سيمون) وميشيل يعملان ذات يوم حينما جلجلت بباب دارهم الأجراس فأسرع كل منهما إلى النافذة، يستجلي الأمر. . . فأبصر بعربة (زلاقة على الثلج) يجرها ثلاثة من الجياد المطهمة الصافنة. . . تقف بباب الدار، وخف تابع إلى بابها ففتحه. . . فظهر منه سيد جليل مهيب - عليه جبة من الفرو الثمين - ووقف بباب الكوخ، فسارعت (مترونا) إليه تفتحه على مصراعيه، وترحب بمقدم الضيف الجليل فطأطأ الرجل رأسه عند ولوجه الباب. . . فلما انتصبت قامته الممشوقة كاد أن يمس رأسه سقف الغرفة فنهض سيمون